مؤسسة آفاق للدراسات والتدريب

زبيغنيو بريجنسكي [1]: بعد عدوان بوتين على أوكرانيا ، يجب أن يكون الغرب مستعدًا للرد

زبيغنيو بريجنسكي، ترجمة: نوح بوكروح

شكّل الاجتياح الروسي لشبه جزيرة القرم (تشكل هذه الأخيرة معبرا جد حيوي للوصول إلى المياه الدافئة من خلال أسطول البحر الأسود الروسي الذي يتخذ من ميناء سيفاستوبول (Sevastopol) قاعدة له) في فيفري 2014، مؤشرا قويا على الرغبة التي تحذو القيادة الروسية لاستعادة أمجاد روسيا القديمة ومكانتها كفاعل مهم في النظام الدولي، وهذا بعد التهميش الذي عرفته دوليا عقب نهاية الحرب الباردة. فوصول فلاديمير بوتين إلى السلطة في سنة 2000، ورغبته الكبيرة في استرجاع أمجاد الماضي، دفعه للقيام بتحرك تكتيكي في أحد أهم مناطق النفوذ المحاذية لروسيا (أوكرانيا). حيث كتب زبيغنيو بريجنسكي الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر (1977-1981) مقالا حثّ فيه القيادات الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الناتو)، وفي ظل بروز وتنامي الطموحات المعلنة للقيادة الروسية، والتي بدأ التجسيد لها باجتياح شبه جزيرة القرم، على ضرورة الاستعداد للقيام بالرد ضد روسيا، خاصة إذا ما امتد مثل هذا الاعتداء إلى دول بالمنطقة هي عضو في الحلف الأطلسي (يقصد بولندا ورومانيا). وعلى الرغم من أن المقال يعود إلى عام 2014، إلا أن كاتبه قام  باستشراف لما قد تؤول إليه الأحداث في المستقبل، بما في ذلك أحداث الحرب الجارية حاليا على الأرض الأوكرانية. سيما مع تحول الاهتمام الروسي من التركيز على الإطاحة بالحكومة الأوكرانية إلى التركيز على إقليم دونباس (Donbass) بشرق أوكرانيا المحاذي للحدود الغربية الروسية، والحاضن لجمهوريتيْ دونيتسك (Donetsk) ولوغانسك (Lougansk) غير المعترف بهما دوليا. وهي منطقة، إلى جانب كونها تقع على التماس من الحدود الغربية الروسية، فإنها أيضا تشهد توترا متصاعدا مع دول البلطيق (إيستونيا، ليتوانيا، لاتفيا) العضو في حلف الناتو، والتي دعت إلى نشر أسلحة نووية على أراضيها من أجل ردع أي اعتداء روسي محتمل ضدها. وقد دفعتنا الأهمية التي ينطوي عليها مثل هذا المقال إلى الرغبة في إعادة نشره -بعد ترجمته- تعميما للفائدة.
فيما يخص العدوان الروسي على أوكرانيا (هنا يقصد الاجتياح الروسي لشبه جزيرة القرم في 20 فيفري 2014)، كثيرون أولائك الذين يركزون على ما سيفعله فلاديمير بوتين لاحقا، لكونه (أي بوتين) لا يعتمد فيما يتبناه من سلوك على توقعاته حول الرد المحتمل لحلف شمال الأطلسي (وخاصة الولايات المتحدة) فقط، بل أيضا على تقديره لمدى شراسة رد فعل الشعب الأوكراني على أي تصعيد آخر من جانب روسيا. بحيث سيتأثر الرد الأوكراني (الرسمي على روسيا) برد فعل المواطنين (الأوكرانيين) على أي تكرار لعدوان بوتين على القرم، وعلى ما إذا كانت الأمة (الأوكرانية)  تعتقد أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يدعمانها حقًا.
فالتكتيك المتسم بالعنف على طريقة العصابات، والمتبع من طرف بوتين للاستيلاء على القرم يقدم بعض التلميحات بوجود تخطيط لذلك (وجود نية في القيام بالاجتياح). فقد كان يعلم مسبقا بأن غزوه المتسم ببعض التمويه سيُقابَل بدعمٍ شعبيّ من الأغلبية الروسية في شبه الجزيرة. كما لم يكن أيضا متأكدًا من رد فعل الوحدات العسكرية الأوكرانية الضعيفة والخفيفة المتمركزة هناك. لذلك لجأ إلى تكتيك العصابات. وكان بإمكانه  أن يتراجع عن الاجتياح لو أنه اصطدام بمقاومة أوكرانية جادة.
كما أن هذا النجاح الأوّلي قد يدفعه إلى تكرار هذا الأداء بشكل مباشر وواسع في أقصى مقاطعات أوكرانيا الشرقية. وفي حالة نجاحه، فيمكنه بعد ذلك الانتقال إلى المرحلة الثالثة والحاسمة، والتي سيعتمد فيها على مزيج من الاضطرابات السياسية والاستخدام العلني المتزايد للقوات العسكرية الروسية، بهدف الإطاحة بالحكومة في كييف. وهو ما سيؤدي إلى نتيجة مماثلة لمرحلتيْ استيلاء هتلر على إقليم السوديت  بعد ميونيخ في عام 1938، واحتلاله النهائي لبراغ وتشيكوسلوفاكيا في أوائل عام 1939.
فكثيرون أيضا أولائك الذين يعتمدون على مدى وضوح الغرب في إبلاغ ديكتاتور الكرملين بأن رد الناتو لا يمكن أن يكون سلبيًا في حال اندلاع حرب في أوروبا، وأنه سوف لن يكتفي بالمشاهدة والصمت بينما يتم سحق أوكرانيا أمامه. وهو ما سيكون مهددا أيضا (إن تمّ) للحرية والأمن الجديدين في رومانيا وبولندا وجمهوريات البلطيق الثلاث ( ليتوانيا، لاتفيا واستونيا). غير أن هذا لا يعني أن الغرب أو الولايات المتحدة يجب أن يقوم بالتهديد بالحرب. ما يجب على الغرب هو الاعتراف الفوري بشرعية الحكومة الأوكرانية الحالية، كرد على التصرفات الأحادية والتهديدية من جانب روسيا. فعدم اليقين (لدى الغرب) بشأن الوضع القانوني للحكومة الأوكرانية (عام 2014) قد يدفع بوتين إلى تكرار نفس تجربة مهزلة القرم ثانية. كما يجب على الغرب أيضًا  إبلاغ الجيش الأوكراني أن بإمكانه الاعتماد على المساعدات الغربية الفورية والمباشرة لتعزيز قدراته الدفاعية. إذ ينبغي أن يكون هناك شك في ذهن بوتين بأن الهجوم على أوكرانيا يمكن أن يعجل بارتباط طويل الأمد وبتكلفة عالية، كما يجب ألا يخشى الأوكرانيون من أن يُتركوا (لوحدهم) في مأزق ( مواجهة أي هجوم روسي محتمل).
في أثناء ذلك، ينبغي وضع قوات الناتو في حالة تأهب، بما يتفق وينسجم مع خطة الطوارئ التي يُعرف بها. فالاستعداد العالي لوحدات أمريكية محمولة جوا، من شأنه أن يكون مفيدا سياسيا وعسكريا، من أجل مد جسور جوية فورية إلى أوروبا. فإذا كان الغرب يريد تجنب الصراع، فيجب ألا يكون هناك غموض أو شك لدى الكرملين بشأن ما يمكن حدوثه في حالة المغامرة باستخدام المزيد من القوة في وسط أوروبا.
إضافة إلى ذلك، فمثل هذه الجهود التي من شأنها المساعدة على تجنب الحسابات الخاطئة التي قد تؤدي إلى نشوء الحرب، يجب أن يقابلها إعادة تأكيد من جانب الغرب لرغبته في تسوية سلمية مع روسيا، والقيام ببذل جهد مشترك لمساعدة أوكرانيا على التعافي اقتصاديا وتحقيق الاستقرار السياسي فيها. كما يجب على الغرب طمأنة روسيا بعدم سعيه لضم أوكرانيا إلى الناتو أو توظيفها ضد روسيا. فالأوكرانيون، ومن أجل السلام والاستقرار في أوروبا هم فقط المنوطين بتحديد مدى قربهم من أوروبا من جهة، وبتحديد نطاق تعاونهم الاقتصادي مع روسيا من جهة ثانية. وبعد انتخابات ماي 2014  [1]، فإنه بإمكانهم (الأوكرانيون) مراجعة بعض الترتيبات بخصوص شبه جزيرة القرم. لكن لا ينبغي لهم القيام بذلك تحت الإكراه، أو كاستجابة منهم لهجوم من أحد الجيران مدفوعا بطموحات إمبراطورية أو شخصية (إشارة إلى بوتين).

ملاحظة:

العبارات الموجودة بين قوسين هي من وضع المترجم للتوضيح وتسهيل الفهم

2022.04.28


[1] في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية الأوكرانية  المقرر إجرائها حينها في 25 ماي 2014.


 [2](مقال منشور في 03 مارس 2014 في موقع صحيفة الواشنطن بوست).


[1]  Zbigniew Brzezinski: After Putin’s aggression in Ukraine, the West must be ready to respond, in https://www.washingtonpost.com/opinions/zbigniew-brzezinski-after-putins-aggression-in-ukraine-the-west-must-be-ready-to-respond/2014/03/03/25b3f928-a2f5-11e3-84d4-e59b1709222c_story.html.


[1] زبيغنيو بريجنسكي Zbigniew Brzeziński‏‏ )1928 – 2017) مفكر استراتيجي ومستشار سابق للأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر بين عامي 1977 و1981. كما عمل مستشارا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وأستاذا لمادة السياسة الخارجية الأميركية في كلية بول نيتز للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة  جون هوبكنز في واشنطن. يعد من الشخصيات القليلة بين خبراء السياسة الخارجية الأمريكية التي حذرت إدارة بوش صراحة من غزو العراق. له العديد من المؤلفات، مثل: “رقعة الشطرنج الكبرى: السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيواسترتيجيا”، والذي أشار فيه إلى المكانة التي تلعبها أوكرانيا كمحور جيوبوليتيكي في منطقة أوراسيا. إلى جانب:  “خارج السيطرة”، “الفشل الكبير”، “خطة اللعبة”، “القوة والمبدأ”، و”فرصة ثانية: ثلاثة رؤساء وأزمة القوة العظمى الأمريكية”.

kmch adm

تعليق