مؤسسة آفاق للدراسات والتدريب

أطروحة بعنوان ” تداعيات صعود الصين في النظام الدولي “

أطروحة بعنوان: تداعيات صعود الصين في النظام الدولي

قراءة وتعليق بوزيد اعمر

جامـعة الجيلالي بونعامة- خميس مليـانة
كلية الحقوق والعلوم السياسية
قسم العلوم السياسية

تداعيـــات صعود الصين في النظـــام الدولي

(2008 – 2020)

أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ل.م.د في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تخصص: سياسات مقارنة
إعداد ط/ دايـد محمـــد زيــن العــابدين                    إشراف/أ.د. طيب جميلة

لجنة المناقشة

الإسم واللقب                        الجامعة الأصلية          الصفة
أ.د/ أحمد طيلب                     جامعة خميس مليانة     رئيسا
أ.د/ طيب جميلة                   جامعة خميس مليانة     مشرفا ومقررا
أ.د/ محمود شرقي                جامعة البليدة 2          ممتحنا
د/ فيروز عيمور                   جامعة خميس مليانة     ممتحنا
د/ فزاني إبراهيم سعد الشاكر    جامعة المدية             ممتحنا
السنة الجامعية 2021 -2022
لا يزال موضوع الصين باعتبارها قوة ناشئة (صاعدة) يثير الكثير من التساؤلات حوله، ويجذب الكثير من الاهتمامات بخصوصه، بل إنه يستفز بطبيعة مكوناته وأبعاده ورهاناته وتحدياته التي ينطوي عليها، الكثير من الباحثين والمهتمين والكُتّاب والخبراء والأكاديميين ومراكز البحث، كما صُناع القرار والساسة في الدول الكبرى والصغرى على حد سواء. إن الصين دولة غير عادية، حتى إن الكثير يتردد في سياقات التصنيف، بين من يراها قوة دولية أو إقليمية، وبين من يصفها بالدولة الناشئة أو المتقدمة. وفي الواقع، إن كافة هذه التصنيفات والأوصاف المتداولة، على الرغم من تباينها واختلافها تصلح جميعها لأن تكون معيارا علميا دلاليا و”مفاهيميا” في ضبط الوصف والتعريف الخاص بهذه القوة. وقد كان من أهم تداعيات هذا التباين والاختلاف في الوصف والتصنيف، سيما على المستوى الرسمي، تباين واختلاف آخر من حيث التموقع والتعاطي مع هذه القوة، بين من يراها خصما ومنافسا ينبغي مصارعته ومواجهته واحتواؤه، وبين من يراها على العكس من ذلك، حليفا وصديقا ينبغي التقرب منه وعقد الشراكات معه.
فقوة كهذه، كان لابد وأن تترك أثرا وتداعيات على المشهد الدولي والاقليمي معا، كما أيضا كان لابد وأن لا تترك أحدا أمامها لا مبال أو متجاهلا، سيما مع حالات التشابك والتداخل التي تعرفها منظومة العلاقات الدولية الراهنة في عصر “ما بعد العولمة”.
وانطلاقا من هذا الواقع، جاءت مناقشة الطالب “دايد محمد زين العابدين”، لأطروحته من أجل نيل شهادة الدكتوراه /نظام أ ل م د، في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص سياسات مقارنة، بكلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، جامعة جيلالي بونعامة، خميس مليانة، بتاريخ 2022.05.10، والتي حملت عنوانا مثيرا، وهو: “تداعيات صعود الصين في النظام الدولي (2008 – 2020)”، حاول من خلالها الطالب التعرض بالمناقشة والتحليل، إلى المستوى الذي وصلت إليه هذه التداعيات، من حيث حجم التأثير ونوعه ومجالاته ومداه، ضمن الإطار الزمني الذي حدده لدراسته، وهو (2008-2020). مبررا ذلك على أن 2008 يمثل تاريخ تفجر الأزمة المالية التي عرفها العالم، وأن “الصين عرفت كيف تجتاز هذه الأزمة، بل واستغلالها في دفع صعودها الدولي إلى غاية العام 2020”.
قسّم الطالب بحثه، إلى جانب مقدمة وخاتمة، إلى أربعة فصول. حاول خلال كل فصل منه، باستثناء الفصل1 الذي خصّه للجوانب النظرية و”المفاهيمية”، معالجة بُعدا من أبعاد تداعيات ما أسماه بـ “الصعود الصيني”، والتي حصرها في خَمْسٍ، هي: التداعيات الاقتصادية (المالية والتجارية) (الفصل1)، السياسية والأمنية (الفصل2)، ثم الثقافية والاجتماعية (الفصل3).
في المقدمة أشار الطالب إلى أن الهدف من دراسته هذه يتمثل في محاولة “إبراز تأثير الصعود الصيني في هيكل النظام الدولي، وأسسِ ومُخرجاتِ هذا الصعود، (..) من أجل معرفة منهج التعامل مع هذه الدولة ومع قراراتها”.
 أما في الفصل الأول، وتماشيا مع ما درج عليه الكثير من طلبة هذا الحقل، تناول الطالب ما أسماه بـ “الإطار النظري والمفاهيمي” للبحث. حاول خلاله تحليل رؤية كل من نظريتيْ “الواقعية الكلاسيكية الجديدة”، و”النظرية الليبيرالية” لمفهوم القوة وللنظام الدولي، ولكيفية تعامل القوى العظمى المهيمنة في هذا النظام مع القوى الصاعدة فيه. ليردفه بعدها بشرح وتعريف دلالات مفهوميْ “النظام الدولي” و”القوى الصاعدة”، وذلك كتمهيد منه لمناقشة معادلة التأثير الذي أحدثته الصين باعتبارها قوة صاعدة (يصفها الطالب، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، بعبارة “الصعود الصيني”) في النظام الدولي الحالي. ليختم بعدها الفصل بتطرقه إلى التموضع الجيوبوليتيكي للصين في محيطها الأسيوي. عالج خلالها محددات السياسة الخارجية الصينية، والتي هي تقليديا أربعة محددات:
1- طبيعية، وتخص المؤشر الجغرافي والسكاني معًا. فجغرافيًا، تعد الصين ثالث أكبر بلد مساحة في العالم، كما تضم 5400 جزيرة. كما تعد أيضا الأولى عالميا من حيث عدد الدول المحاذية لها (14 دولة). أما سكانيا، فتعد الصين الأولى عالميا من حيث عدد السكان (أحدث إحصائية وفقاً لبيانات الأمم المتحدة الرسمية لعام 2021،  تشير إلى أن الرقم هو: 1,443,766,982 نسمة).؛
2- المؤشر الاقتصادي؛
3 و4- إلى جانب المحددات السياسية والعسكرية.
كما تقوم أيضا، من بين أهم ما تقوم عليه، على:
أ. اعتماد مبدأ التدرج في الحصول على كل عناصر القوّة، واجتناب التسرع في الظهور كقوة كبرى على الساحة الدولية، حتى لا يثير تصاعدها أي شكوك حول نواياها وأهدافها (كانت تؤكد في بداية تصاعدها الاقتصادي على أنها لا زالت تنتمي إلى دول العالم الثالث، وتصرّ بموازاة ذلك على تصاعدها السلمي)؛
 ب. تبني الأساليب (أو القوة) الناعمة؛
ت‌-  وأخيرا، التعامل مع مختلف الملفات السياسية بحذر وتأن؛
كما عالج أيضا، إلى جانب ما تقدم، ما أطلق عليه الطالب مفهوم “سياسة الصعود السلمي” للصين. وهو المفهوم الذي تم طرحه، وبعد إجماع حصل على أعلى مستوى في السلطة، بعد نهاية الحرب الباردة، وبالضبط عام 2003، ضمن “معادلة متكاملة تساهم في الرد على «نظرية الخطر الصيني» التي كانت تلقى رواجاً كبيرا في ذلك الوقت”، وتماشيا مع سياستها الناعمة المشار إليها، من أجل تفادي “تصنيفها كخطر صاعد ومستجد على المسرح العالمي”.
في الفصل الثاني، حاول الطالب معالجة البعد الاقتصادي (بِشِقـيْه: التجاري والمالي) للصعود الصيني. بخصوص الجانب التجاري، فقد تناوله من خلال اعتماده على ثلاث محاور: آثار الإصلاحات التجارية للصين، البعد الدولي لتطور التجارة في الصين، وأخيرا آثار صعود الصين على الأسواق العالمية للطاقة. أما الجانب المالي، فقد عالجه من خلال اعتماده على محوريْن اثنين: تحديات العُملة الصينية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة للصين.
فبعد تذكيره بتاريخ بداية القفزة الاقتصادية التي عرفتها الصين منذ عام 1978، وهذا بعد تبنيها لسياسة الانفتاح (التخلي عن البيروقراطية المركزية، وتبني نمط من التنظيم الاقتصادي غير المركزي، مع السماح بظهور الشركات الخاصة)، والتي كان من أهم نتائجها، الارتفاع المطرد لنسبة النمو الاقتصادي الذي لامس ولعقود متوالية الرقم 10%، باشر الطالب في تحليل التداعيات التجارية لهذا الصعود، والتي يمكن حصر أبرزها فيما يأتي:
– تربع الصين على عرش أول وأكبر اقتصاد عالمي من حيث القوة الشرائية؛
– والأولى عالميا عام 2009 من حيث القوة التجارية (أكبر مصدر للسلع في العالم، وثاني أكبر مستورد. حيث تجاوزت صادراتها للمرة الأولى الصادرات الألمانية، كما تخطت بفارق ملحوظ الصادرات اليابانية وكذلك صادرات الولايات المتحدة الأمريكية)؛
– والثاني –بعد الولايات المتحدة- من حيث القيمة السوقية، مع ارتفاع نصيب الاقتصاد الصيني من أقل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 1995، إلى أكثر من 15% منه مع نهاية عام 2018؛
– وأكبر مُصنّع في العالم؛
– وثاني أكبر وجهة للاستثمارات الخارجية المباشرة في العالم؛
– كذلك وبفضل مراكمتها لفوائض الميزان التجاري، فإن الصين أضحت تمتلك أكبر احتياطي  للنقد الأجنبي في العالم؛
– وأيضا أكبر منتج وثاني أكبر مستهلك للذهب في العالم؛
– وتعدّ مع بداية العام 2010 ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة، لتتخطاها بعد ذلك، ومنذ عام 2015 لتصبح أكبر مستورد للنفط عالميا؛
– فضلا عن أن جل التوقعات سابقا، كانت تشير إلى أنّ الصين ستتخطى الولايات المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم بحلول العام 2050 أو 2035، لكن – يؤكد الطالب – مع نهاية العقد الأول من القرن 21، تبيّن أن “المسيرة الصينية هي أسرع مما كان متوقعا”، حيث تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد الصيني سيتجاوز نظيره الأمريكي بحلول عام 2025.
أما فيما يتعلق بالتداعيات المالية التي أحدثها الصعود الصيني المذكور، فإن أهم ما يتصدر هذا المشهد بحسب ما يراه الطالب، أمران اثنان: ما أطلق عليه بـ “حرب العملات”، وكذا موضوع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والموقف من المؤسسات المالية والتجارية الدولية. بمعنى “تحرير وتقييد التجارة الخارجية” لكل من الصين والغرب بشكل عام، أو بالأحرى من يربح ومن يخسر معركتيْ التجارة والأسواق العالمية، والذي يجد تعبيره فيما يسمى بـ “الخلاف التجاري” الشديد والمتنامي بين الصين والولايات المتحدة بشكل خاص.
بالنسبة لتحديات العملة الصينية، فيرى الطالب أن الأزمات المالية التي يعرفها الغرب حاليا، تعود في أهم أسبابها الحقيقية إلى “الفوائض التجارية الهائلة والمتراكمة التي تحققها الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في 2001″، والتي تعد “نتيجة مباشرة لسعر صرف العملة الصينية (..)، فالتخفيض الكبير لقيمة العملة الصينية بفضل التدخلات اليومية (للحكومة الصينية)” في ضبط عملتها، كان له التأثير الإيجابي والمباشر على قدرة العملة الصينية في المحافظة على مرونتها، وعلى قدرتها في اختراق سوق التجارة العالمي، والذي بدوره كان له التأثير الكبير والمباشر على قدرة الصين في المحافظة على مستويات عليا من التنافسية، ومن النمو والفوائض المالية والتجارية مقارنة باقتصاديات الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. كما عرفت وبفضل نهضتها الاقتصادية، كيف تستقطب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتصبح ومنذ تسعينيات القرن الماضي من “أهم الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر”. مثل هذه التدفقات كان لها تأثير مباشر في “اندماج الصين في الاقتصاد العالمي (..) وفي احتلالها سنة 2010 المرتبة الثانية من بين الدول الأكثر استقطابا للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم”.
وكخلاصة لهذا الفصل، يشير الطالب إلى أن هذا الصعود الاقتصادي الصيني الذي يصفه البعض بـ “المعجزة الصينية”، إنما “يُعزى إلى ثلاثة عوامل رئيسة، هي:
1- برامج الإصلاح الاقتصادي التي أدخلتها السلطات الصينية على اقتصادها المحلي، محدثة بذلك تحولات جذرية على مستوى بنيته الداخلية؛
2- المحافظة على المسار المرتفع لنسب النمو؛
3- وأخيرا، الإعتماد على نموذج تنمية قائم على منظور علمي وعملي، وليس إيديولوجي أو شعبوي”.
في الفصل الثالث، ينتقل الطالب إلى محاولة معالجة كل من التداعيات السياسية والأمنية للصعود الصيني. ويحصر الأولى في ثلاث عناصر: طبيعة الإدراك الصيني للتغيرات الدولية، جهود الصين في تبني نظام متعدد الأقطاب، وأخيرا توجهات السياسة الخارجية الصينية اتجاه القوى الكبرى. بينما يرى في الثانية أنها تتمحور في عنصرين اثنين، هما: تحديث الترسانة العسكرية الصينية، والطموح الجيوبوليتيكي الصيني.
إنّ الصين يقول الطالب، “تدرك جيدا أن اعتماد اقتصادها على الخارج من حيث الصادرات، وعلى المواد الأولية والتكنولوجيا، يحقق لها مصالح في معظم دول العالم. هذا البعد الكوني للمصالح الاقتصادية والتجارية الصينية، سوف يقود بدوره إلى انتشار مصالحها السياسية والاستراتيجية معها”. مثل هذا الواقع المليء بالتحديات، يقول عنه الطالب أنه “سوف يؤدي إلى إثارة التوسع في المنافسة والتعاون مع القوى المختلفة في العالم (..) ومن ثمّ فإن الصين سوف تعاني إذا ما سلمت للآخرين مهمة إعادة تشكيل النظام العالمي”.
ولأجل تجاوز مثل هذه التحديات، فإن الصين تعمل على محاولة استثمار “قوتها الاقتصادية الصاعدة في بناء قوة عسكرية ونفوذ سياسي على الساحة الدولية”. ومن هذا المنطلق بدأت وبشكل براغماتي صارخ، في طرح نفسها “باعتبارها قوة دولية قادرة على إعادة التوازن للنظام العالمي، وتأسيس نظام جديد”، مستغلة الإنجاز الكبير الذي حققته في المجال الاقتصادي لتجعل منه “نموذجا جذّابا للعديد من الدول النامية، وبديلا للنموذج الغربي”.
ويؤكد الطالب على أن هناك توافق وانسجام كبيرين بين “الصعود العسكري الصيني مع صعودها الاقتصادي على المستوى العالمي، ومع انتشار مصالحها عبر العالم. وعلى الرغم من أنه أثار تخوّف البعض من انعكاساته على التوازنات العسكرية القائمة في منطقة شرق آسيا والعالم، إلا أن خضوعه لسياسة الأولويات الصينية، وضمن منظور دفاعي معقّد، بالإضافة إلى استناده إلى الفكر الإستراتيجي الصيني (المحض)، حيّد هذه المخاوف، وسمح للصين بمواصلة واستمرار صعودها في النظام الدولي”.
وبناء على هذا الواقع، يرى الطالب أن الصين تعمل اليوم من أجل أن “تفرض نفسها كقوة عظمى”، و”تتبنى تحركات تقوم على رؤية عالمية تسمح لها بتعضيد قوتها”. وهذا السلوك من قِبل الصين ما هو في الحقيقة –حسبه دائما- إلا “برمجة لنهاية قوة عالمية وصعود أخرى”.
وفي الفصل الرابع والأخير، خص الطالب تحليله لمناقشة التداعيات الثقافية والاجتماعية للصعود الصيني على مسرح العلاقات الدولية. حيث تناول في الأول موضوع محددات الثقافة الصينية، وكذا انعكاسات الموروث الثقافي الصيني على النظام الدولي. بينما تضمن الثاني، عنصريْ الاضطرابات الاجتماعية في الصين، والمعوقات الاجتماعية أمام الصعود العالمي للصين.
يشير الطالب بهذا الخصوص، إلى كثرة الدراسات والأدبيات السياسية التي تناولت تنامي قوّة الصين ومكانتها الدولية، وأنها تباينت التحليلات حول المقومات والأسباب التي ساهمت في تعزيز هذه القوّة وتلك المكانة. حيث “يجادل بعض الكتاب والأكاديميين المهتمين بالشأن الصيني أن مكانتها تعود للمقومات الاقتصادية –كما رأينا-، والبعض الآخر يرجعها لأسباب تعود لطبيعة نظامها السياسي، وهناك من تناول البعد الثقافي والاجتماعي كأحد المقومات الهامة التي ألهمت صنّاع  القرار والنخبة السياسية الصينية في توظيفه في صنع السياسة الخارجية للدولة”.
ويذكر الطالب في هذا السياق، أن هناك ثلاث عناصر تشكل دعائم القوّة الناعمة لأي بلد: ثقافته، وقيمه السياسية، وسياسته الخارجية. وأنه “إذا استقرئنا الهوية الثقافية للصين، وجدنا أن بنية الثقافة السياسية الصينية تتشكل من ثلاثة محاور كبرى، هي: “الثقافة الكونفوشيوسية، الثقافة الماركسية والثقافة الليبرالية المعاصرة”. فالصين –يقول الطالب- تملك حضارة هي من أقدم وأعرق الحضارات العالمية. ولا يمكن لأحد أن يجادل في هذه الحقيقة، وفي مدى انتشار الثقافة الصينية عالميا. ويعزز فكرته هذه، بما ورد في تقرير صادر عن معهد الإحصاء التابع لليونسكو عام 2016، والذي تمت الإشارة فيه إلى أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة ثقافيا، وعلى أنها تحتل المركز الأول –عالميا- في تصدير المواد الثقافية مثل الأفلام والموسيقى، وأن التفوّق والانتشار للثقافة الصينية يُعد أحد العوامل الإيجابية في سياسة صعودها، “لتصبح إحدى القوى الفاعلة والمؤثرة في النظام الدولي”.
ويشير الطالب أيضا، إلى بعض الأدوات التي تحرص الصين على توظيفها لتحقيق هذه الأهداف. منها تقديم المنح للطلبة الأجانب، ودعم التبادل الثقافي والتعليمي مع عدد كبير من الطلاب حول العالم، وعقد ورش عمل تدريبية مشتركة. كما حرصت على تأطير تحركها بشكل رسمي حيث تضع برنامج يحث على تعميق العلاقات الثقافية بما فيها التعليم والصحة والعلوم والتبادل على المستوى الشعبي.
أما فيما يتعلق بتداعيات الشق الاجتماعي للصعود الصيني، فيشير الطالب إلى أنه ونظرا لكون الصين تعد أسرع دولة في العالم من حيث التطور والتغير الحاصل بها، بعد أن استطاعت “إحداث طفرة في العالم في فترة ما بين 30 إلى 40 عاما على النقيض من الأوروبيين الذين استغرقوا ما يقرب من 300 عام لإحداث طفرة مماثلة”، فإن ذلك لم يكن بدون ثمن. فـليس من السهل –يقول الطالب- “تحقيق تحديث كامل في دولة ذات كثافة سكانية ضخمة، ومساحة شاسعة مثل الصين”. فكان من الطبيعي، وبناء على ذلك أن ينتج على مثل هذا التحول السريع “بعض التوترات الاجتماعية التي أثرت سلبا على قضايا حقوق الإنسان في الصين والتي تحتاج إلى معالجة جادة”. الأمر الذي جعلها “تواجه حزمة من المعوقات، بعضها لم تعهده القوى الصاعدة سابقا”، جعل من صعودها “صعودا هشا”. ويشير الطالب هنا إلى جملة من الاضطرابات الاجتماعية ذات الطابع العرقي والديني والسياسي، كما هو الحال في كل من هونغ كونغ، وفي جزيرة تايوان وفي إقليم شينجيانغ والتبت. فضلا عن القيود المفروضة على الحريات العامة والفردية وحالات عدم المساواة، والخروقات التي تعرفها في مجال حقوق الانسان، والتي تمس جميعها كافة التراب الصيني. واقع جلب لها انتقادات واسعة من قبل هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان الدولية والإقليمية، بل وضغوط من قبل الكثير من الدول والمنظمات غير الحكومية.
بعد نهاية المناقشة، واجتماع اللجنة المختصة من أجل التداول، أصدرت هذه الأخيرة تقييمها النهائي، مانحة للطالب ملاحظة “مشرف جدا”. ومن جهتنا نحن، وتعميما للفائدة، فإننا ننصح الطالب بطباعة بحثه.
الجزائر، في 2022.06.13

kmch adm

تعليق