مؤسسة آفاق للدراسات والتدريب

أسباب التوتر قائمة.. أين تقف الإمارات وقطر من الخلافات الليبية؟

إعداد –  بشير جويني (من تونس)

2023.02.01

رصد موقع “المونيتور” الأمريكي[1] مقاربات كل من قطر والإمارات بشأن الملف الليبي، مشيرا إلى أن كلا البلدين طورا من سياساتهما بشكل كبير تجاه الأطراف المتناحرة على مدى السنوات الماضية. وذكر الموقع في تقرير له أن الدولتين لعبتا دورا فعالا في الحملة العسكرية التي أطاحت بالرئيس معمر القذافي عام 2011. 

ومنذ ذلك الحين، تطورت مقاربات أبوظبي والدوحة تجاه ليبيا بشكل كبير، ولكنها اتسمت دائما بالتنافس والعدائية، إذ استهدف البلدان جهود وحلفاء ووكلاء بعضهم البعض على الساحة الليبية، وفق وصف الموقع. فبعد الإطاحة بالقذافي، ” مر التنافس القطري-الإماراتي في ليبيا بمراحل من السياسات التنافسية، بل والعدوانية، داخل ليبيا”، حسب التقرير. وشمل ذلك شن حملات إعلامية موجهة، وتمويل لمختلف وسائل الإعلام الليبية وصفحات التواصل الاجتماعي، واستخدام الذباب الإلكتروني على موقعي “فيسبوك” و”تويتر”، وأحيانا تقديم الدعم العسكري والمالي المباشر لوكلائهما وحلفائهما في الداخل الليبي.

صورة إمضاء لاتفاقية تعاون عسكري بين وزيري الدفاع الليبي صلاح الدين النمروش ونظيره القطري خالد بن محمد العطية بالدوحة في نوفمبر 2022

وأكد الموقع الأمريكي أن دولتي قطر والإمارات تبنتا نهجين مختلفين تماما فيما يخص نوع التحالفات التي سعيا إلى بنائها في ليبيا. فبينما طورت قطر تحالفات مع التيارات الثورية الإسلامية، سعت الإمارات لبناء شراكات مع التيارات القومية وغير الإسلامية، وفق “المونيتور.”

انتكاسة إماراتية

ويرى الموقع أنه بين عامي 2011 و2014، كانت لقطر اليد العليا في ليبيا عبر وكلائها المنتشرين في جميع أنحاء البلاد، الذين تحالفت معهم الدوحة سياسيا وعسكريا. حيث سيطر حلفاء قطر على “المجلس الوطني الانتقالي”، وبعد ذلك “المؤتمر الوطني العام”، على الرغم من فوز “تحالف القوى الوطنية”، بقيادة محمود جبريل، في التصويت الشعبي. هذا في الوقت الذي عرف فيه حلفاء الإمارات انتكاسات متتالية خلال هذه الفترة، حتى عام 2014، عندما أصبح الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، الحليف رقم واحد لأبوظبي في ليبيا .ومن هنا، بدأ ميزان القوى في التحول لصالح الإمارات بعد إطلاق “عملية الكرامة” في شرق ليبيا. وبحلول عام 2017، سيطرت قوات حفتر على مدينتي بنغازي ودرنة، وهُزم حلفاء قطر الإسلاميون في كلتا المدينتين، بحسب وصف الموقع.

                 رئيس حكومة الحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة مع وزير خارجية دولة قطر محمد بن عبد الرحمان آل ثاني

وفي طرابلس، طردت المجموعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني المتحالفة مع حفتر، فصائلَ المؤتمر الوطني العام، التي رفضت الاتفاق السياسي الليبي (اتفاق الصخيرات، الموقع عام 2015). وكنتيجة لهذا التحول، اضطرت العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة، بما في ذلك مفتي ليبيا، الصادق الغرياني، والزعماء السابقون لجماعات إسلامية ليبية، مثل خالد الشريف وعبد الحكيم بلحاج، للسفر خارج البلاد عام 2016 والإقامة بين قطر وتركيا.

ويشدد الموقع على أنه “حينذاك، أضحت الإمارات وحلفاؤها الليبيون أكثر جرأة من ذي قبل. ومن خلال الوساطة المباشرة بين رئيس حكومة الوفاق (السابقة) فايز السراج، وحفتر، سعت أبوظبي إلى إيجاد طريقة لضمان سيطرة حلفائها على طرابلس”. ورغم ذلك، فشلت المحاولات الإماراتية للتقريب بين السراج وحفتر؛ بسبب معارضة الجماعات المسلحة في طرابلس، وانتهى الأمر بالإمارات إلى دعم اللواء الانقلابي خليفة حفتر ودفعه لمحاولة السيطرة على طرابلس باستخدام القوة العسكرية. ووصف الموقع الأمريكي الدعم الإماراتي لحفتر بشأن اقتحام العاصمة طرابلس بأنه خطوة “مبالغ فيها للغاية وإستراتيجية أدت إلى نتائج عكسية”؛ لأنها تسببت في إلحاق ضرر كبير بسمعة أبوظبي على الساحتين الدولية والمحلية. وعلاوة على ذلك، تعرض حليفها الرئيسي، حفتر، للإذلال عسكريا على يد تركيا والقوات المتحالفة معها في مدينتي طرابلس ومصراتة، وفق وصف “المونيتور”.

وفي عام 2020، أشارت نهاية المعارك العسكرية إلى بداية تحول في الإستراتيجية الإماراتية تجاه ليبيا، حيث أعادت أبوظبي ضبط نهجها في ليبيا ليصبح أكثر دقة. ففي العام نفسه، اكتشفت الإمارات أنها خسرت سنوات من الاستثمار في علاقاتها وبناء شبكات التأثير في شرق ليبيا، لصالح الدور المصري. وتمكنت القاهرة من التوسط للتهدئة بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وحفتر، في مايو/أيار 2020، لتتولى بعدها زمام المبادرة في المنطقة الشرقية الليبية، على الصعيدين السياسي والدبلوماسي. وكنتيجة لذلك، انخرطت الإمارات بشكل كبير في منتدى الحوار السياسي الليبي، الذي تقوده الأمم المتحدة، وفق ما أشار إليه التقرير. كما تمكّن بعدها الإماراتيون من استخدام روابطهم الشخصية للتقرب من الفاعلين الليبيين، بالإضافة إلى استخدامهم للعامل الاقتصادي، لتحقيق ما لم يتمكنوا تحقيقه عندما حاول حفتر اقتحام العاصمة في 2019، حسب “المونيتور.”

محمد بن زايد حاكم دولة الإمارات مع محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في (جوان/ 2021)

خلافات وتوترات

وفي هذا المسار، عارضت الإمارات حلفاءها المقربين، فرنسا ومصر، واختارت دعم قائمة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في جنيف، ضد قائمة رئيس الوزراء الليبي المكلف من قبل مجلس النواب فتحي باشاغا، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وهي القائمة التي كانت تدعمها كل من باريس والقاهرة. ومنذ أشهر تتصارع في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا التي كلفها مجلس النواب في طبرق، والثانية يقودها الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب. وعلى الرغم من أن قطر كانت تدعم قائمة الدبيبة والمنفي – في تناغم شبه كامل مع تركيا- فإنها لم تتأثر بتزايد النفوذ الإماراتي في طرابلس بعد فوز الدبيبة وسيطرته على السلطة فيها، وفق التقرير.

وفي الواقع، اكتسبت الإمارات نفوذا كبيرا في العاصمة الليبية، وأقامت علاقات مع جهات أمنية فاعلة مثل وزير الداخلية الحالي بالوكالة، عماد الطرابلسي، وبعض المجموعات المسلحة مثل جهاز دعم الاستقرار بقيادة غنيوة الككلي، واللواء 301 بقيادة عبد السلام الزعبي. كما استطاعت الإمارات الدفع لتعيين، فرحات بن قدارة، على رأس المؤسسة الوطنية للنفط، مُحاولة بذلك زيادة فرصها في نيل مكاسب لها من قطاع الطاقة الليبي.

ومع هذا، كان القطريون سعداء برؤية حلفائهم الليبيين القدامى، الذين غادروا البلاد عام 2016، يعودون ويستعيدون مكانتهم في طرابلس، وفق المونيتور. وكمحاولة منها للرد على نهج أبوظبي الاستباقي في طرابلس، عمدت الدوحة إلى بناء علاقات في شرق ليبيا، مع شخصيات داخل قوات حفتر، مثل نجله بلقاسم، وضباط آخرين رفيعي المستوى من المؤيدين لثورة 17 فبراير، بالإضافة إلى مجلس النواب الليبي.

ويضيف التقرير أنه على الرغم من الانخفاض الكبير في الأعمال العدائية من قبل مختلف الدول الفاعلة في الساحة الليبية، منذ توقيع وقف إطلاق النار عام 2020، فإن الأسباب العميقة للتوترات الأيديولوجية، والتنافس بين الإمارات وقطر ما تزال قائمة. فمن ناحية، تواصل قطر تبني أجندة داعمة للربيع العربي ومؤيدة للإسلاميين على الساحة الليبية؛ ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من إعادة تقويم نهجها في ليبيا، تستمر الرؤية الإستراتيجية للإمارات كما هي، في محاربة من تدعمهم قطر. وأوضح التقرير أنه “حتى عندما سعت الإمارات إلى تنويع شراكاتها بعيدا عن حفتر وقواته، اختارت بناء جسور وعلاقات مع شخصيات تمثل النظام السابق مثل الدبيبة، وسيف الإسلام القذافي، الذي يقيم كبار مساعديه بشكل رئيسي في دبي وأبوظبي”. وهو مسار يتناغم تماما مع موقفها الراديكالي المناهض للإسلاميين، والذي تتبناه الإمارات منذ 2011، حسب “المونيتور”.

ويشير التقرير في النهاية، إلى أن الإمارات تسعى لبناء تحالف يجمع حفتر وتيارات النظام السابق بطريقة تخلق تحالفا سياسيا وعسكريا ناجحا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل أبوظبي على وضع نفسها كشريك أساسي للقاهرة في طرابلس، جنبا إلى جنب مع تموقعها كحارس للشرق الليبي، الذي يسيطر عليه حفتر.

محمد بن زايد حاكم دولة الإمارات مع محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في (جوان/ 2021)

وختم الموقع الأميركي تقريره بالإشارة إلى أن مصالح تركيا متداخلة مع المصالح الإماراتية في شرق ليبيا، بالنظر إلى أن المصالح التركية الإستراتيجية في شرق البحر المتوسط مرتبطة جغرافيا بالمناطق الساحلية لمدينتي درنة وطبرق.


[1] Mohamed Eljarh, “UAE and Qatar manage shifting policies, fluid alliances in Libya”, in : https://www.al-monitor.com/originals/2023/01/uae-and-qatar-manage-shifting-policies-fluid-alliances-libya?s=08


kmch adm

تعليق