مؤسسة آفاق للدراسات والتدريب

هدف واحد و ضحايا كثيرون: زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى شمال إفريقيا تلقي بسوادها  على المنطقة

اعداد المقال الأصلي: عماد عطوي

الترجمة الى اللغة العربية:  رانية خلوطة

 

 

 

 

بدأت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تؤتي ثمارها في شمال إفريقيا. ستتبع الاستراتيجيات الأمريكية المستقبلية استراتيجيات لا تماثلية لمحاربة الصين.

 

أحدث التراجع السياسي للولايات المتحدة حالة من عدم اليقين الجيوبوليتيكي. بعد حقبة ما بعد الحرب الباردة تربعت الولايات المتحدة على عرش القيادة العالمية و فرضت موقعها في مركز النظام الجديد -أحادي القط- محاطة بدول تابعة و خاضعة لها. غير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت نقطة تحول في تراجع القوة العالمية للولايات المتحدة بسبب التهديدات غير التماثلية المتزايدة على أعقاب هجمات القاعدة على برجي التجارة العالميين. فبدلاً من تعزيز إستراتيجيتها والحفاظ على القيادة العالمية تخلت الولايات المتحدة عن استراتيجيتها البارزة و غرقت في محاربة الجماعات الإرهابية الصغيرة. بسبب هذه السياسة ، تحين الخصوم الفرصة جراء تشتت إستراتيجية الولايات المتحدة وبدؤوا في التنافس مع واشنطن في كل مكان.

 

أثرت حسابات الولايات المتحدة الخاطئة على تدهورها الجيوبوليتيكي. بعد الحرب في العراق وحملة “الحرب على الإرهاب”  تباطأ الأداء الجيوبوليتيكي العالمي للولايات المتحدة. فعلى الرغم من وجود قواعد عسكرية في جميع أنحاء العالم ، فإن سلسلة الحملات العسكرية أضعفت الموارد الأمريكية. وبالتالي، ظهرت العديد من القوى الصاعدة على رأس الخلافات الدولية، في الوقت الذي حصلت فيه القوى الإقليمية على فرصة و زخم مع الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. على سبيل المثال ، شكلت الانتفاضة العربية تفاعلًا جيوبوليتيكيا للعديد من الدول المتنافسة في ليبيا وسوريا واليمن ، بينما يوضح الخلاف في شرق البحر المتوسط أن المنافسات الجيوبوليتيكية لم تعد حقًا حكرا على القوة العظمى.

 

في الوقت الذي كان يستعرض فيه المتنافسون عضلاتهم العسكرية استخدمت الصين الاقتصاد لتعزيز استراتيجيتها. استفاد العديد من المتنافسين من التراجع السلبي للولايات المتحدة كما استفادت الصين من التجارة الحرة في النظام الدولي. على الرغم من كونها بعيدة أيديولوجياً عن المعسكر الغربي، فان الصين استخدمت طريقة سلسة و مسموح بها لتجنب أي عقوبة استراتيجية محتملة من قبل الولايات المتحدة. و بهذا ، تمكنت الصين من التنسيق بين الاقتصادات الحرة لربط العالم من خلال مشروعها OBOR الحزام و الطريق و استطاعتها بناء جيش وتحديثه. نتيجة لذلك ، و من خلال استراتيجيتها الاقتصادية السلسة، تمكنت الصين من استقطاب أكثر من 150 دولة للتوقيع على مشاريعها الاقتصادية.

 

في هذا الصدد، فإن الجزائر هي إحدى الدول التي وقعت على مبادرة الحزام والطريق. على الرغم من توقيع معظم دول شمال إفريقيا على اتفاقية الحزام والطريق، فان العلاقات الصينية الجزائرية تبقى دائما مثيرة لشكوك الولايات المتحدة. لم يسبق للجزائر و أمريكا أن كانتا في كفة واحدة، باستثناء محاربة الإرهاب. لا زالت تُعتبر الجزائر دولة من المعسكر الشرقي الذي يشمل كلا من الصين وروسيا. لكن زيارة وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إلى الجزائر في أكتوبر الماضي تعد خطوة جريئة من الولايات المتحدة ، بينما كانت طبيعية لتونس والمغرب نتيجة الزيارات الكثيرة لأمريكا لكلا الدولتين.

 

التحرك الأمريكي في شمال إفريقيا هو ترتيب جيوستراتيجي للمعركة القادمة ضد الصين. تعد الجزائر دولة محورية لها قدرة عسكرية قوية في المنطقة. على الرغم من وجود تونس والمغرب كوكلاء للولايات المتحدة ، يمكن اعتبار الجزائر دولة مارقة من وجهة نظر واشنطن. من الناحية الإستراتيجية، يمكن للجزائر أن تمثل موقعًا جيوستراتيجيًا لصالح الصين وروسيا في حالة حرب في نظر الولايات المتحدة. إن رفض الجزائر لأي تعاون استراتيجي رفيع المستوى مع الولايات المتحدة يعني أن الجزائر ستساعد الصين على تعزيز مبادرة الحزام والطريق إلى إفريقيا عبر الجزائر وحليفتها روسيا.

 

محاربة الصين يعني إضعاف الدول المتحالفة معها. من الواضح أن الولايات المتحدة لا تستطيع الدخول في حرب مباشرة مع الصين. تتقدم الصين على الولايات المتحدة في بعض المجالات الإستراتيجية الحساسة مثل بناء السفن وأنظمة الدفاع والأسلحة الهجومية. إلخ. أيضًا ، فإن الموقع الجغرافي الذي قاد الولايات المتحدة إلى النصر في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية سيكون هو نفس العامل الذي من شأنه أن يضعف واشنطن إذا نجح المشروع الصيني: الحزام و الطريق. من الناحية الإستراتيجية، إن الموقع الجغرافي للولايات المتحدة يعني أن واشنطن لن تكون قادرة على ضمان الإمدادات العسكرية الى أوراسيا حيث ستكون البنية التحتية الصينية محظورة على البضائع الأمريكية. وفي هذه النقطة ، تتمثل إستراتيجية الولايات المتحدة في قطع الروابط و الاتصالات بين الصين و الدول التي ترتبط مع بيكين.

 

في نفس الصدد، حتى موقف الجزائر المحايد سيعتبر تهديدًا للولايات المتحدة. بالنسبة لواشنطن، ليس هناك ما يضمن أن تكون الجزائر محايدة في حالة نشوب نزاع ضد حلفاء الجزائر. من خلال ذلك ، سيكون مضيق جبل طارق هو المشكلة الرئيسية التي ستواجه الولايات المتحدة للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط قبل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وآسيا. تبنى الحسابات الإستراتيجية لأي دولة على توقع السيناريو الأسوأ لتحقيق الأهداف السياسية المتوقعة. هذا يعني أن استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة لإبقاء الجزائر بعيدة على أن تكون سببا في أي مشكلة يستلزم  اللعب على الأوراق الأمنية والاقتصادية.

 

الصحراء الغربية هي إحدى تداعيات استراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة. ليس جديدًا أن نسمع عن الصراع المتكرر بين الصحراء الغربية والمغرب. الجديد هو الحرب غير المتكافئة بين الجانبين بدعم سياسي من حلفاء الولايات المتحدة للمغرب ضد شعوب الصحراء الغربية في هذا الوقت بالذات. على الرغم من اعتبارها قضية تصفية استعمار سواء في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي ، و تكليف بعثة المينورسو  MINIRSOالتابعة للأمم المتحدة لتسريع عملية الاستفتاء لتقرير المصير، فقد اتضحت البصمة الأمريكية بعد زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى المغرب.

 

إن تهييج النقاط الساخنة أمنيا سيكون إحدى استراتيجيات الولايات المتحدة الذي من شأنه أن يخدم دور الدور الأمريكي. ليس فقط مجابهة  حلفاء واشنطن من شأنه أن يعزز الدور الأمريكي، ستحفز الحملة العسكرية ضد الصحراويين تداعيات انعدام الأمن في المنطقة مع تصعيد الجماعات الإرهابية والتهريب. يبدو أن المغرب أخطأ في تقدير قدراته غير المتكافئة والدعم السياسي الذي يتمتع به المغرب حاليًا. إن إفساد أمن المنطقة بأكملها سيكون في صالح واشنطن أيضًا لأن الصين بمشروعها الحزام والطريق هدف الولايات المتحدة. وهذا يعني أن التحديات الرئيسية التي تواجهها الصين في مشروعها هي الأمن. لن تنجح العقوبات الاقتصادية ولا الدخول في حرب مباشرة مع الصين. وبالتالي ، فإن مناطق انعدام الأمن ستعيد الولايات المتحدة إلى الشاشة العالمية بعد دفع الصين لاستهلاك طاقتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مشروعها وتأمينه.

 

سيناريو انعدام الأمن سوف يتكرر على الحزام والطريق الصيني. إلى جانب الصحراء الغربية، فإن الخلاف داخل إثيوبيا  بين التيغراي و الحكومة الاثيوبية ، والنزاع بين إثيوبيا ومصر والسودان وإريتريا سيعرف تطورًا جديدًا. بينما كان من المقرر أن تتوسط واشنطن بدفع جميع الأطراف للتوصل إلى اتفاق شامل وتعاوني وقابل للتكيف و أن يكون مستداما ومفيدا للطرفين العام الماضي، دعا ترامب قبل أسابيع قليلة مصر لقصف السد الإثيوبي. هذا يعني أنه على الرغم من كونها حليفًا للولايات المتحدة لفترة طويلة، فإن إثيوبيا تقع في حيز الترتيبات الإستراتيجية التي  تحتاجها و تستند عليها الولايات المتحدة. بمعنى آخر ، بعد رفض إسرائيل من حماية السد الإثيوبي، يبدو أن الولايات المتحدة تريد توجيه رسالة إلى إثيوبيا مفادها: يمكن للولايات المتحدة حماية مشروعك الاستراتيجي.

 

اثيوبيا هي الدولة الوحيدة التي تلبي التوقعات الجيواستراتيجية الأمريكية في المنطقة. إثيوبيا مستقرة نسبيًا مقارنة بالدول المجاورة في القرن الأفريقي، وهي قوة إقليمية تتمتع بموقع جيد جيوبوليتيكيا (باعتبارها البوابة الرئيسية لإفريقيا من الشرق) كما يمكن للولايات المتحدة التحكم بسهولة في دول المصب بمجرد أن تسيطر على إثيوبيا. قد يحدث سيناريو آخر في إثيوبيا ، إذا لم تُنشئ الولايات المتحدة قاعدة عسكرية لموازنة التهديد الصيني بالقرب من جيبوتي، فمن المحتمل أن تلعب الولايات المتحدة  على ورقة تحريض دول المنطقة ضد بعضها البعض. ليس فقط في إثيوبيا ، ولكن ستصل و ستستعمل الولايات المتحدة لعبة انعدام الأمن وتستخدمها أينما وجد التهديد الصيني.

أدى كل من التدهور السياسي الجيوبوليتيكي للولايات المتحدة في العالم إلى نزاع استراتيجي بين واشنطن وبكين. على الرغم من أن سياسة انعدام الأمن قد بدأت منذ أكثر من عقد مع بداية انسحاب القواة الأمريكية، إلا أن تأثيروباء  Covid-19 على العالم أدى إلى زيادة النزاع على سطح العلاقات الدولية. لقد أضعف تأثير الفيروس الولايات المتحدة وتأرجح عقرب القوة إلى جانب الصينيين بدبلوماسيتهم الصحية التي وصلت إلى كل مكان. وقد أجبر ذلك الولايات المتحدة على التحرك بشكل استباقي واستخدام حلفائها قبل تحالفهم مع الصين.

 

مصلحة أمريكا من شأنها أن تسبب في انهيار العديد و إحداث الكثير من الضحايا. إن تكثيف نقاط انعدام الأمن ليس هو الإستراتيجية الوحيدة، فالدبلوماسية والصداقة الوردية ستؤثر أيضًا على استراتيجيات الولايات المتحدة القادمة. من المتوقع بشدة أن نرى الولايات المتحدة تعبئ استراتيجياتها التقليدية للقضاء على الصين بشكل حاسم. يمكن للولايات المتحدة أن تعود إلى حلفائها من الدول ذات الأغلبية المسلمة كما حدث في الثمانينيات، حيث يمكن لواشنطن أن تقيم علاقات كبيرة مع طالبان. علاوة على ذلك ، فإن مسألة مسلمي الأويغور ستكون معروفة و ذات صيت على نطاق واسع. و على النقيض من ذلك، فإن الجانب الآخر من هذه الإستراتيجية سيُظهر بوضوح كيف هو العالم الحقيقي ؛ المسلمون أصدقاء لأمريكا ، لكن الفلسطينيين والكشميريين والروهينجا … سيكونون حالة شاذة. بالطبع ، شعب الصحراء الغربية و ما شابههم ليسوا بالاستثناء في هذا الشذوذ.

 

عماد تاج الدين

تعليق