مؤسسة آفاق للدراسات والتدريب

قراءة تحليلية في المفهوم الإستراتيجي الجديد لحلف الشمال الأطلسي لسنة 2022

  • ترجمة وتحليل- نوح بوكروح   

2022.07.04

منذ إنشاء منظمة الحلف الأطلسي في أفريل 1949 من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، عمد أعضاؤها في كل قمة لهم، إلى  تبني ما أصبح يعرف بـ “المفهوم الإستراتيجي”. وهو المفهوم الذي يعكس ما يتم في تلك اللقاءات من تحديد إستراتيجية التحالف، ووصف الغرض والطبيعة الدائمة له، ومهامه الأمنية الأساسية التي من أجلها تم إنشاءه، وأسباب استمراره في الوجود، والتحديات والفرص التي يواجهها في بيئة أمنية تُرى انها تتميز بالتغير الدائم. كما تُوضح في الوقت نفسه، عناصر ومنهجية عمل الحلف من أجل المحافظة على أمن أعضاءه، وتوفر أيضا الإرشادات للتكيف السياسي والعسكري.

وتعمل هذه المفاهيم الإستراتيجية على تجهيز الحلف للاستجابة للتهديدات والتحديات الأمنية الآنية، وتوجيه تطوره السياسي والعسكري حتى يكون مستعدًا لمواجهة تهديدات وتحديات الغد. فمنذ تأسيسه قام الحلف بإصدار العديد من المفاهيم الإستراتيجية، وتمت الموافقة عليها من قبل الحلفاء بالإجماع، من خلال مجلس شمال الأطلسي (NAC)، والذي يعد السلطة المسؤولة عن اعتماد الوثائق الإستراتيجية للحلف.

وهذه المفاهيم الإستراتيجية جاءت من أجل التكيف مع الأوضاع الجيواستراتيجة التي يشهدها العالم. ففي فترة الحرب الباردة (1949-1991) مثلا، وفي ظل هيمنة القطبية الثنائية، وسيطرة مفاهيم الجغرافيا السياسية، كان التركيز على التوتر والمواجهة أكثر منه على الحوار والتعاون، مما أدى إلى سباق تسلح خطير ومكلف في كثير من الأحيان. بحيث كان الجيش هو المبادر إلى  تطوير المفاهيم الإستراتيجية بشكل أساسي لموافقة السلطات السياسية لدول التحالف. وتم تصنيفها على أنها وثائق ذات صفة خاصة، وهي اعتبارها مراجع عسكرية. وهنا تم بلورة أربعة مفاهيم استراتيجية  تصب كلها في خانة التصدي – حينها – للتهديد السوفياتي الشيوعي، باعتباره تهديدا لدول أوروبا وللعالم الرأسمالي الغربي. وكان أول مفهوم طُرح في هذا السياق في 6 جانفي 1950، متعلق بالدفاع عن منطقة شمال الأطلسي. ومع بداية الحرب الكورية في سنة 1950 تم بلورة المفهوم الإستراتيجي الثاني. وفي 23 ماي 1957 تم صياغة مفهوم ثالث مرتبط بتطور الأسلحة النووية، وهو المفهوم الإستراتيجي الشامل. وفي 16 جانفي 1968 تم بلورة المفهوم الإستراتيجي الرابع والمتعلق بعقيدة الاستجابة المرنة للحلف في حالة وقوع أي هجوم. وهو المفهوم الاستراتيجي الوحيد في تاريخ الحلف الذي لم يكن موضع قرار داخل مجلس شمال الأطلسي.

غير أن نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، والتي كان يُفترض معها أن تؤدي إلى تفكك الحلف الأطلسي، على شاكلة ما حدث لحلف وارسو كنتيجة لاندثار السبب المؤدي إلى إنشائه، أفرز تحولا في المفاهيم الإستراتيجية. حيث أصبحت المبادرة إلى صياغة المفاهيم الإستراتيجية بيد السلطات السياسية، لكن مع الاستناد إلى مشورة الجيش. وكل مفهوم تُعاد بلورته كل عشر سنوات. وهذا التغيير نابع من تبنى الحلف لتعريف أوسع للأمن، حيث يشكل الحوار والتعاون – إلى جانب عدم تصنيف هذه المفاهيم وإعلانها، على عكس مفاهيم فترة الحرب الباردة التي كانت تتسم بالسرية – جزءا لا يتجزأ من التفكير الاستراتيجي للحلف. وفي هذه الفترة (أي ما بعد نهاية الحرب الباردة)، ومنذ سنة 1991 إلى يومنا هذا، تم بلورة أربع مفاهيم، كانت بدايتها في نوفمبر 1991، أين تم صياغة المفهوم الإستراتيجي الخامس، والذي من خلاله تم السعي إلى تحسين وتوسيع أمن أوروبا ككل بالشراكة والتعاون مع الخصوم القدامى. وفي الذكرى الخمسين لتأسيس الحلف (أفريل/ 1999)، وأثناء قمة روما، وعلى خلفية الأوضاع السائدة في منطقة البلقان (يوغسلافيا) وإقليم كوسوفو، تم تبني المفهوم الإستراتيجي السادس، والذي قام على توسيع مفهوم الأمن ليشمل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إضافة إلى مخاطر أخرى متمثلة في الإرهاب والصراع العرقي وحقوق الإنسان. وفي قمة لشبونة (نوفمبر/2010)، وأمام تزايد التهديدات وتنوعها، تم بلورة المفهوم الإستراتيجي السابع، والقائم على المشاركة النّشِطَة والدفاع الحديث.

وفي سنة 2022، وخلال قمة الحلف بمدريد (28 -30 جوان)، تمت بلورة المفهوم الإستراتيجي الثامن، والذي أعاد الحلف من خلاله التركيز من جديد على الأوضاع الجيواستراتيجة السائدة. حيث اعتبر روسيا (أي بعد غزوها لأوكرانيا) ، وعلى النحو الذي تؤكده الوثيقة الصادرة عنه، كأكبر تهديد لأمن أوروبا. كما أن الجديد في هذه الوثيقة هو التطرق، ولأول مرة، إلى الصين باعتبارها تمثل تحديا لقـيّم ومصالح وأهداف الحلف وشركائه في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

وفي الفقرات الآتية قراءة تحليلية في أهم ما احتوت عليه وثيقة الحلف الصادرة عنه بهذه المناسبة.

احتوت هذه الوثيقة على مقدمة وأربعة محاور. في المقدمة تم التطرق إلى الظروف التي أدت إلى تبني المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف، والهادف إلى ضمان بقاءه وتزويده بالموارد اللازمة من أجل الاستمرار مستقبلا. وهذا على خلفية عدم الاستقرار الذي تشهده أوروبا جراء الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فيفري 2022، وأزمة الطاقة التي تمخضت عنه، بعد تقليص روسيا لإمداداتها نحو أوربا، والتي كادت أن تعصف باقتصادات الدول الأوروبية نتيجة اعتمادها الكبير على موارد الطاقة القادمة من روسيا. كما تم التشديد على ضرورة أن تكون أوكرانيا قوية ومستقلة باعتبارها شريكا استراتيجيا للحلف، والذي يعد أمرا حيويا لاستقرار المنطقة الأورو-أطلسية . كما تم التذكير بالنجاحات والإنجازات التي حققها الحلف منذ إنشاءه في سنة 1949، والتأكيد على التزامه بتنفيذ المهام الأساسية الموكلة إليه، وعزمه الثابت على حماية المواطنين والدفاع عن أراضي الدول الأعضاء، وصيانة الحرية والديمقراطية والقيم المشتركة التي تشترك فيها كل دول الحلف بالشكل الذي يزيد من تماسك الحلف وتضامنه، والدفاع أيضا عن الشركاء ومساعدتهم ضد كل التهديدات المختلفة أيا كان مصدرها وطبيعتها، والتي من شأنها التسبب في عدم الاستقرار والمنافسة الإستراتيجية، والتي تعد تحديا لمصالح وقيم الحلف. كما تم التأكيد أيضا على الإرادة في العيش في عالم مبني على احترام السيادة والسلامة الإقليمية، واحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، من أجل إقامة نظام دولي مِيزَتُهُ الاستقرار والسلم.

وفيما يلي قراءة لما جاء في هذا “المفهوم الجديد” بحسب الوثيقة المنشورة على موقعه على الأنترنت.

  1. الغرض والمبادئ:

هنا تم التأكيد على الطبيعة العسكرية الدفاعية للحلف، وأن الغرض الرئيسي من إنشاءه هو ضمان الدفاع الجماعي لكافة أعضاءه، وأن الاعتداء على أي عضو فيه يعد بمثابة اعتداء على دول الحلف جميعا. وهذا بموجب المادة الخامسة من ميثاقه، والمتعلقة بمبدأ الدفاع الجماعي، وحماية حرية وأمن جميع الحلفاء من جميع أشكال التهديد. وهو مبدأ تحكمه أيضا الروابط عبر أطلسية والقيم المشتركة (الحرية الفردية، حقوق الإنسان، الديمقراطية وسيادة القانون)، والتي –في نظر الحلف وأعضاءه- لا يمكن الاستغناء عنها. ومن هنا يرى الحلف أنه من الضروري الالتزام بشدة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، من أجل المحافظة عليها وترقيتها.

كما تم اعتبار حلف شمال الأطلسي منتدى فريدا وأساسيا لا غنى عنه للتشاور، والتنسيق والتضامن والتصرف في كافة الأمور المتعلقة بالأمن الفردي والجماعي لدوله، كون أمنه غير قابل للتجزئة. وهو ما يساهم بدوره في تقوية الروابط ما بين أعضاءه، ويستلزم معه ردا جماعيا منه على أي اعتداء خارجي على أحد دوله.

إضافة إلى التأكيد على استمرار الحلف في تنفيذ المهام الأساسية الثلاث الموكلة إليه والمتمثلة في: الردع والدفاع (الذي يعد العمود الفقري للالتزام بمبدأ الدفاع الجماعي المنصوص عليه في المادة الخامسة من ميثاق الحلف)، منع الأزمات وإدارتها، والأمن التعاوني. وهي مهام متكاملة فيما بينها لضمان الدفاع والأمن لجميع أعضاء. ولتحقيق ذلك فإنه يتعين تعزيز المرونة الفردية والجماعية، والميزة التكنولوجية،  والحكم الراشد، ودمج قضايا التغير المناخي والأمن البشري والمرأة والسلام كقضايا متداخلة، كونها تعكس القيم التي يؤمن بها كافة أعضاءه من أجل تنفيذ المهام الأساسية المنوطة به.

2. البيئة الإستراتيجية:

في هذا العنصر تم التطرق إلى مختلف الأوضاع والتهديدات المحيطة بالدول الأعضاء في الحلف، والمتمثلة في:

– انتهاك روسيا الاتحادية  للقواعد والمبادئ التي ساهمت في استقرار النظام الأمني الأوروبي، والذي جعل من المنطقة الأورو-أطلسية منطقة تميزها الفوضى. على اعتبار أن هذه الانتهاكات لا تستبعد احتمال شن هجوم على أحد الحلفاء والمساس بوحدة أراضيه. وهنا يمكن الإشارة إلى التوتر الحاصل بخصوص إقليم كالينغراد الروسي المطل على بحر البلطيق، والذي يأوي الأسطول  الحربي الروسي، والمحصور بين دولتين عضو في الحلف، هما: بولندا وليتوانيا. وقد قامت الأخيرة (ليتوانيا) بتعليق وصول البضائع والمعدات إليه بواسطة خط السكك الحديدية العابر لأراضيها، والذي قد ينذر بتدخل روسي من أجل إعادة تدفق السلع والبضائع إلى هذا الإقليم الحيوي بالنسبة إليها. فمثل هذا الواقع وما يثيره من عدم الاستقرار ومن المنافسة الاستراتيجية والصدمات المتكررة، يجعل من التهديدات التي يواجهها الحلف عالمية ومترابطة. وهو الذي بدوره يجعل من فضاء وجغرافية البيئة الأمنية للحلف أوسع وأكبر.

– روسيا الاتحادية هي التهديد المباشر والأكثر أهمية لأمن الحلفاء، ولسلام واستقرار المنطقة الأورو-أطلسية، وذلك بسبب سعيها إلى إقامة مجالات للتأثير والسيطرة المباشرة، من خلال اعتمادها على ما يصفه الحلف بـ “أساليب الإكراه والتخريب والعدوان والضم” ( ضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014 من خلال وسائل تقليدية، وكذا ما يصفه بـ “الاجتياح العدواني” لأوكرانيا -التي تعد شريكا استراتيجيا للحلف- في 24 فيفري 2022، والذي تم فيه المزج بين وسائل تقليدية وسيبرانية، وقبلها التدخل في جورجيا في 2008، والقيام بهجمات سيبرانية ضد دول الحلف مثل ما حدث في استونيا عام 2007).

كما أن تحديث روسيا الاتحادية لقواتها النووية بتوسيع “قدراتها التخريبية المزدوجة”، وأنظمة التوصيل الجديدة، إلى جانب استخدام الإشارات النووية (في إشارة إلى الأمر الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة الاستعداد لاستخدام القوة النووية كرد على طلب إحدى دول الحلف من قيادته العليا نشر أسلحة نووية على أراضيها)، وكذلك طبيعة كل من الموقف والخطاب العسكريين اللذين تتبناهما، والرغبة المؤكدة في استخدام القوة لمتابعة تنفيذ أهدافها، فمن شأن ذلك كله “تقويض قواعد النظام الدولي القائم”. فهذه التحركات –يقول الحلف- تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة لروسيا، من خلال مساهمتها في تعطيل تعزيزات الحلفاء، وكذا في تعطيل حرية الملاحة في شمال الأطلسي، إلى جانب تحالفها الاستراتجي مع بيلاروسيا، وحشودها العسكرية  في كل من بحر البلطيق والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، والتي تعد -في نظر الحلف- إستراتيجية تحدي لأمن ومصالح دوله.

– وجود تحدي لمصالح وقيم الدول الأعضاء في الحلف، أو لشركاءه الإستراتيجيين (اليابان، كويا الجنوبية، تايوان واستراليا) من طرف “أنظمة استبدادية”، وهذا من خلال استثمارها في القدرات التقليدية والنووية والصاروخية المتطورة، فضلا عن قلة الشفافية، وعدم مراعاة الأعراف والالتزامات الدولية، والتي تحاول تقويض القواعد والمؤسسات متعددة الأطراف، وتعزيز نماذج “الحكم الاستبدادي” (في إشارة منه إلى التجارب النووية الصاروخية لكوريا الشمالية، والتي من شأنها التأثير على الاستقرار في المنطقة، وإلى السياسات المتبعة من طرف الصين في بحر الصين الجنوبي والتي من شأنها هي الأخرى أيضا، جعل المنطقة منطقة حرب، سيما بخصوص تايوان والملاحة في بحر الصين الجنوبي). فهذا التحدي يعد بمثابة اختبار لقدرة دول الحلف على الصمود أمام المنافسين، الذين يسعون لاستغلال الانفتاح والترابط والرقمنة الموجودة بين دوله، سواء عن طريق التدخل في العملية الديمقراطية وفي المؤسسات، أو في استهداف أمن المواطنين، اعتمادا على المزج بين التكتيكات، سواء بشكل مباشر أو من خلال الوكلاء (التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016 مثلا)، أو بالقيام بأنشطة ضارة في الفضاء السيبراني أو في الفضاء الخارجي بتطوير صواريخ قادرة على تدمير الأقمار الصناعية المتواجدة في مدارات الأرض، إلى جانب حملات الترويج والتضليل، واستغلال الهجرة كآلية ابتزاز (مثلما فعلت بيلاروسيا بفتح حدودها أمام المهاجرين غير الشرعيين الفارين من مناطق النزاعات في الشرق الأوسط للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي)، واستخدام الإكراه الاقتصادي عن طريق التلاعب بإمدادات الطاقة (في إشارة إلى الأزمة الحالية التي تمر بها الدول الأوروبية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الغاز).

– الناتو لا يسعى إلى المواجهة، ولا يشكل أي تهديد على روسيا الاتحادية، غير أنه سيواصل الرد على التهديدات والأعمال العدائية الروسية بشكل موحد وبطريقة مسؤولة، عن طريق تعزيز الردع والدفاع عن جميع الحلفاء من أجل الصمود ضد الإكراه الروسي، وكذا دعم الشركاء لمواجهة أي تدخل أو عدوان مثلما يحدث مع أوكرانيا التي تم تخصيص حزمة كبيرة من المساعدات العسكرية من طرف دول الحلف من أجل مواجهة الغزو الروسي. إن السياسات والأعمال العدائية التي تصدر عن الطرف الروسي، لا تجعل منه شريكا للحلف، غير أن هناك قنوات اتصال مفتوحة معه لإدارة المخاطر وتخفيفها، ومنع التصعيد وزيادة الشفافية. “فالسعي إلى الاستقرار والقدرة على التنبؤ في المنطقة الأورو-أطلسية، يعتمد على وقف روسيا لسلوكها العدواني والامتثال لقواعد القانون الدولي”.

– الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يعد التهديد المباشر غير التماثلي لأمن مواطني دول الحلف، وللسلام والازدهار الدوليين. فسعى المنظمات الإرهابية لمهاجمة الحلفاء أو التحريض على شن هجمات ضدهم، بتوسيع شبكاتها، وتعزيز قدراتها، واستثمارها في التقنيات الجديدة إنما الهدف منه هو تحسين وصولها إلى أهدافها، وإحداث أكبر ضرر ممكن بالبنى التحتية. كما أن الجماعات المسلحة غير الحكومية، بما في ذلك العابرة للحدود، والشبكات الإرهابية، والجهات الفاعلة المدعومة من الدول، تواصل استغلال الصراع والضعف المميز للسلطات المركزية من أجل تجنيد وتعبئة الموارد البشرية والمالية، فضلا عن توسيع دائرة عملها.

– الصراع والهشاشة وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط  وأفريقيا، وبناء على وجود مناطق تماس بينها وبين دول الحلف، كلها عوامل مؤثرة بشكل مباشر على أمن كل من دول الحلف وشركائه. فعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط (سوريا مثلا)، له أثر كبير على أمن تركيا واليونان، بل إن أثره امتد إلى باقي دول الحلف (خاصة مع تنامي موجات الهجرة غير الشرعية وظاهرة اللجوء)، وإلى منطقة شمال إفريقيا من خلال جيبي سبتة ومليلية الخاضعتين للسيطرة الإسبانية، واللتين شهدتا خلال شهر جوان 2022 محاولات للعبور غير الشرعي، والتي خلفت العديد من القتلى. كما أن منطقة الساحل الإفريقي تشهد تزايدا للنشاطات الإرهابية، وخاصة منذ سقوط النظام الليبي في سنة 2011، كما أن الأزمة في مالي لا تزال مستمرة. فالترابط بين التحديات الأمنية والديموغرافية والاقتصادية والسياسية القادمة من هذه المناطق، باتجاه دول الحلف بحكم الجوار الجغرافي، وتغير المناخ، وهشاشة المؤسسات، وانعدام الأمن الغذائي والصحي فيها، كلها عوامل تجعل منها أرضًا خصبة لانتشار “اللادولة” (الدول الفاشلة والمنهارة) والجماعات المسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة. وهي أسباب من شأنها زعزعة الاستقرار وزيادة التدخل العسكري من قبل المنافسين الاستراتيجيين (في إشارة إلى التدخل الروسي في سوريا 2015، وفي ليبيا ومالي بتوظيف شركات أمنية وعسكرية خاصة – مجموعة فاغنر- من أجل الدفاع عن مصالحها).

– عدم الاستقرار المؤدي إلى تفشي أعمال عنف ضد المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، وكذا الاعتداءات وإتلاف الممتلكات الثقافية (مثلما قام به تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق، أين تم تدمير مناطق وأثار مصنفة ضمن التراث العالمي لليونيسكو، في مدن تدمر ونينوى والموصل)، بالإضافة إلى الأضرار البيئية التي تساهم في النزوح القسري للسكان، وتؤجج ظاهرتيْ الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، كونها تقوض الأمن الإنساني وأمن الدولة، ولها تأثير على فئات النساء والأطفال والأقليات، بحيث أصبحت تشكل اتجاهات وتحديات إنسانية عابرة للحدود، خاصة في ظل المآسي التي تقع في البحر الأبيض المتوسط، جراء عمليات النزوح من مناطق النزاعات والتوترات في الشرق الأوسط وإفريقيا.

– إن الصين تعد تحدي لمصالح وأمن وقيم دول الحلف وشركائه بسب طموحاتها وسياساتها القسرية المعلنة. فبتوظفها لمجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بهدف زيادة تواجدها العالمي وتحقيق مشروعها السلطوي، إضافة إلى الغموض بشأن إستراتيجيتها ونواياها وحشدها العسكري، والعمليات الهجينة والسيبرانية “الخبيثة”، وخطاب المواجهة، والتي كلها تستهدف الحلفاء والشركاء وتضر بأمنهم، من خلال توظيفها للمعلومات “المضللة”، إضافة إلى سعيها للتحكم في مفتاح القطاعات التكنولوجية والصناعية والبنية التحتية الحيوية، وفي المواد الاستراتيجية وسلاسل التوريد، باستخدام نفوذها الاقتصادي من أجل خلق تبعية إستراتيجية وتعزيز نفوذها، مثل أشباه الموصلات semi-conducteur الضرورية للصناعات عالية التقنية وللأسلحة ذاتية التوجيه، إضافة إلى المعادن النادرة les terres rares التي تدخل في هذه الصناعات، والتي تحتل فيها الصين المراتب الأولى عالميا إنتاجا واحتياطا. كما أنها  تسعى جاهدة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد، بما في ذلك المجالات الفضائية والإلكترونية والبحرية، وهذا بتعميق شراكتها الإستراتيجية مع روسيا من خلال منظمة شنغهاي ومجموعة البريكس، واللذين يُعدان تجمعين إقليميين يَضُمَّان دولا مناهضة للهيمنة الأمريكية، وهو ما يتعارض مع قيم ومصالح دول الحلف وشركائه.

وعلى بالرغم من كل هذا، فإن هناك انفتاح على المشاركة البناءة للصين، وذلك من خلال بناء وتبادل الثقة والشفافية معها بهدف حماية المصالح الأمنية للحلف، وأيضا من خلال العمل المشترك لمواجهة التحديات النظامية التي تطرحها (أي الصين) بالنسبة للأمن الأورو-أطلسي، وضمان القدرة الدائمة للناتو على توفير الأمن والدفاع بالنسبة لأعضاءه وحلفاءه، بتعزيز الوعي المشترك والمرونة والاستعداد والحماية من التكتيكات المنتهجة من طرف الصين والساعية لتقسيم الحلف، والدفاع عن القيم المشتركة للحلف، وعن قواعد النظام الدولي القائم، بما في ذلك حرية الملاحة (في إشارة إلى الأطماع الصينية في بحر الصين الجنوبي والتي من شأنها إثارة حرب، وكذا إلى حرية الملاحة في مضيق تايوان).

– تعدد الجهات الفاعلة (الدول أو الجماعات) في الفضاء السيبراني، يجعل منه موضع نزاع في جميع الأوقات، كون هذه الفواعل تسعى – عن طريق جمع المعلومات الإستخباراتية والتجسس، أو سرقة الملكية الفكرية، أو عن طريق عرقلة الأنشطة العسكرية- إلى التأثير على البنية التحتية للدول، وفي خدمات حكوماتها التي تعتمد بشكل كبير على تقديم مثل هذه الخدمات عبر هذا الفضاء.

– استثمار بعض المنافسين الإستراتيجيين للحلف، في التقنيات التي بإمكانها تقييد حرية الوصول و العمل في الفضاء الخارجي (الصين مثلا من خلال مشروعها الخاص ببناء محطة فضائية لها، وكذلك الشأن بالنسبة لروسيا)، إلى جانب بعض الخصوم المحتملين (إيران مثلا) من خلال تطويرهم لأسلحة بإمكانها تدمير الأقمار الصناعية، والتي من شأنها أيضا استهداف البنية التحتية -المدنية والعسكرية- لدول الحلف، وإضعاف قدراتها الدفاعية، وإحداث الضرر بأمنها.

– الفرص والمخاطر التي توفرها التكنولوجيات الناشئة بالنسبة للدول، بعد أن أضحت ساحة رئيسية للمنافسة العالمية، وأداة استراتجية جد حيوية في صراعاتها الخارجية، والتي من شأنها –ونتيجة لما توفره لصاحبها من القدرة على التأثير والنجاح في ساحة المعركة- تغيير طبيعة الصراع.

– يرى الحلف أن الاستقرار الاستراتيجي الدولي تأثر سلبا من جراء تآكل هياكل تحديد الأسلحة، ونزع السلاح، وعدم انتشاره. فـ “انتهاكات” روسيا وتنفيذها الانتقائي لالتزاماتها المتعلقة بالحد من الأسلحة، ساهم في تدهور المشهد الأمني العالمي ​​بشكل واسع. كما أن الاستخدام المحتمل للمواد أو الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية ضد دول الحلف، من قبل الدول المعادية والجهات الفاعلة غير الحكومية، لا يزال يشكل تهديدا لأمن الحلفاء، كون إيران وكوريا الشمالية لا تزال تواصلان عمليات تطوير برامجها النووية والصاروخية. كما تؤكده  التجارب الباليستية التي قامت بها كوريا الشمالية مؤخرا. فسوريا وكوريا الشمالية والاتحاد الروسي، إلى جانب بعض الجهات الفاعلة غير الحكومية، لجأت كلها إلى استخدام أسلحة كيميائية (استعمال النظام السوري لأسلحة كيميائية في قصف بعض المدن السورية). ويلحق بهذا عملية التوسيع السريع الذي تقوم به الصين في ترسانتها النووية، بعد قيامها بتطوير نظم تسليم متطورة دون زيادة الشفافية أو الانخراط بحسن نية في الحد من انتشار هذه الأسلحة.

– التغير المناخي بتأثيراته العميقة على أمن الحلفاء يعد تحدي حاسم في هذا العصر. فهو أزمة وتهديد مضاعف، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراع وإلى الهشاشة والمنافسة الجيوسياسية بين الدول. فارتفاع درجات الحرارة يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر، وفي تنامي ظاهرة حرائق الغابات، والمزيد من الظواهر الجوية القاسية، المعطلة للمجتمعات، والتي تقوض الأمن وتهدد أرواح المواطنين ومصادر رزقهم. كما أنه يؤثر أيضا على البنى التحتية للدول، وعلى طريقة عمل قواتها المسلحة. لهذا فإن هذه القوات هي بحاجة للعمل في مناخ أكثر قسوة من أجل التكيف مع الوضع الجديد الذي تحدثه التغيرات المناخية. وهو ما يفسر استدعائها المتكرر للمساعدة في الكوارث.

3. المهام الأساسية لحلف الناتو:

وهنا تم التطرق إلى المهام الثلاثة الأساسية للحلف، وهي:

أ. الردع والدفاع

– كون الحلف حلفا دفاعيا، فهذا لا يترك مجالا للشك فيما يخص القوة والعزم على الدفاع والحفاظ على سيادة واستقلال أراضي جميع الحلفاء وردع كل معتد. ففي بيئة إستراتيجية متميزة بالمنافسة، هناك ضرورة لتعزيز الوعي العالمي المشترك من أجل الوصول إلى الردع والدفاع، وهو موقف يعتمد فيه الحلف على مزيج متناسب من القدرات الدفاعية النووية والتقليدية والصاروخية، تكملها القدرات الفضائية والسيبرانية، بشكل متناسب ومتناغم تمامًا مع الالتزامات المنصوص عليها. بمعنى استخدام الأدوات العسكرية وغير العسكرية بشكل متناسب وبطريقة متماسكة ومتكاملة للرد على جميع التهديدات لأمن الحلفاء وبالطريقة والتوقيت وفي المجال المختار.

– تعزيز الموقف الردعي والدفاعي بشكل كبير، وهذا من أجل تحييد أي خصم محتمل وإحباط أي فرصة محتملة للقيام بعدوان. ولتحقيق هذه الغاية يجب تفعيل وضمان تواجد كبير ومستمر للقوات المسلحة في البر والبحر والجو، وتوفير تعزيز متكامل للدفاع الجوي والصاروخي. وفي حالة اعتداء على حليف ما للناتو، فسيتم الدفع بسرعة و بدون إشعار، بقوات كبيرة -هي على استعداد تام للقتال- إلى الخطوط الأمامية وفي مجالات متعددة، وتعزيزها بترتيبات القيادة والتحكم والذخائر والمعدات الجاهزة، وبتحسين القدرات والبنية التحتية، مع القيام بتعديل التوازن بين القوات في المكان، وبالتعزيزات المناسبة، بهدف تقوية الردع وقدرات الحلف على الدفاع بما يتناسب مع التهديدات القائمة، مما يضمن بقاء مصداقية الموقف الدفاعي والردعي للحلف المتسم بالمرونة والتصميم والاستدامة.

– مواصلة تعزيز الجاهزية والاستجابة والقابلية للانتشار والتكامل والتشغيل البيني بشكل جماعي لقوات الحلف، والقيام بتقديم مجموعة كاملة من القوات والقدرات والخطط والموارد والأصول والبنى التحتية اللازمة للردع والدفاع بشكل فردي وجماعي، بما في ذلك المجالات القتالية عالية الكثافة والمتعددة ضد المنافسين المسلحين نوويا، مع ضمان هيكل قيادة مرن ومتكامل، إلى جانب زيادة المواءمة بين الخطط الوطنية وخطط الدفاع للحلف، وتقوية وتحديث هيكل قواته، من خلال التدريب والتمرين وتكييف وتسهيل عملية صنع القرار، بالإضافة إلى التخطيط وتحسين الفعالية من أجل الاستجابة الفعالة للأزمات.

– الأمن البحري مفتاح السلام والإزهار للحلف، لذا وجب تعزيز الموقف والوعي الظرفي للردع والدفاع ضد جميع التهديدات في المجال البحري، ودعم حرية الملاحة، وتأمين طرق التجارة البحرية وحماية خطوط الاتصالات الرئيسية.

– التعجيل بالتحول الرقمي، وتكييف هيكل قيادة الناتو مع متطلبات عصر المعلومات وتعزيز الدفاعات السيبرانية من شبكات وبنى تحتية، بتشجيع الابتكار وزيادة الاستثمار في التقنيات الناشئة والمعطلة، مع الاحتفاظ بقابلية التشغيل البيني والميزة العسكرية لدى دول الحلف، والعمل معا لتبني ودمج هذه التقنيات الجديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، وحماية الابتكارات، وتشكيل المعايير، والالتزام بمبادئ الاستخدام المسؤول التي تعكس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

– المحافظة على الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني، بعدم تقييد الوصول إليه، والذي يعد عاملا أساسيا لردعٍ ودفاعٍ فَعّالَيْن، وهذا بتعزيز القدرة على العمل بفعالية في الفضاءين الخارجي والإلكتروني، من أجل منع واكتشاف ومكافحة والاستجابة لكل التهديدات المحتملة باستخدام جميع الأدوات المتاحة. فالأنشطة السيبرانية الضارة، سواء كانت مجموعة واحدة أو تراكمية أو عمليات عدائية في الفضاء، أو منه، أو داخله، يمكن أن تصل إلى مستوى هجوم مسلح وتؤدي إلى الاحتجاج بالمادة 5 من الميثاق، والتي تنص على الدفاع الجماعي. كما أن هناك إدراكا لقابلية تطبيق القانون الدولي، لذا يجب العمل على تعزيز السلوك المسؤول في الفضاءين معا، وعلى تعزيز مرونة القدرات الفضائية والإلكترونية المعتمد عليها في الدفاع.

– اتباع نهج أكثر قوة وتكامل وتماسك لبناء الوطن، وأكثر مرونة ضد التهديدات والتحديات العسكرية وغير العسكرية على مستوى التحالف، باعتباره مسؤولية وطنية والتزام جماعي متجذر في المادة 3 من ميثاق الحلف. بالإضافة إلى العمل على تحديد وتخفيف نقاط الضعف والتبعيات الإستراتيجية، بما في ذلك كل ما تعلق بالبنى التحتية وسلاسل التوريد والأنظمة الصحية (التبعية للصين في المجال الصحي خلال أزمة كورونا)، إلى جانب تعزيز الأمن الطاقوي والاستثمار في إمدادات الطاقة وتنويع الموردين بالاعتماد على مصادر مستقرة وموثوقة (في إطار استراتيجية التخلي عن التبعية لروسيا في المجال الغاز الطبيعي والذي أصبح عبئا ثقيلا على اقتصاديات الدول الأوروبية، سيما مع قطع وتقليص روسيا لإمدادات الطاقة اتجاه العديد من دول أوروبا الغربية)،بالإضافة إلى العمل على ضمان الاستعداد واستمرارية الحكومة لتوفير وإيصال الخدمات الأساسية للسكان والدعم المدني للقوات المسلحة، وتعزيز القدرة على الاستعداد للصدمات والاضطرابات الاستراتيجية ومقاومتها، والاستجابة لها والتعافي منها بسرعة، وضمان استمرار أنشطة الحلف.

– الاستثمار في القدرة على الاستعداد للاستخدام القسري للردع، ومواجهة التكتيكات السياسية والاقتصادية والطاقوية والمعلوماتية، والتكتيكات الهجينة الأخرى من قبل الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية. كما أن العمليات الهجينة ضد الحلفاء يمكن أن تصل إلى مستوى الهجوم المسلح، والتي يمكن الرد عليها بالاستناد إلى نص المادة الخامسة المتعلقة بالدفاع الجماعي، بالإضافة إلى مواصلة دعم الشركاء من أجل مواجهة التحديات المختلطة، والسعي لتعظيم أوجه التآزر مع الجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، مثل الاتحاد الأوروبي.

– الهدف الأساسي للقدرات النووية للحلف هو الحفاظ على السلام، ومنع حدوث أي إكراه، وكذا ردع العدوان. فالخاصية الفريدة للأسلحة النووية، وللظروف التي قد يضطر فيها الناتو لاستخدام الأسلحة النووية هي بعيدة للغاية. فأي استخدام للأسلحة النووية ضد الحلف من شأنه أن يغير بشكل جذري طبيعة الصراع، وهذا راجع لامتلاك الحلف للقدرات وللعزم على فرض تكاليف تفوق بكثير الفوائد التي يمكن أن يأمل أي خصم في تحقيقها.

– القوات النووية الإستراتيجية للتحالف، ولا سيما الأمريكية، والتي تشكل الضمان الأعلى لأمن الحلف، إضافة إلى الاعتماد على  الإستراتيجية المستقلة للقوات النووية للمملكة المتحدة وفرنسا، والتي لها دور رادع خاص بها، كما تساهم من خلالها بشكل كبير في الأمن العام للحلف؛ فهذه جميعا، وبفضل انفصال مراكز صنع القرار، تساهم كلها في الردع من خلال تعقيد الحسابات على الخصوم المحتملين. كما أن موقف الردع النووي لحلف الناتو يعتمد أيضا على انتشار الأسلحة النووية للولايات المتحدة في أوروبا، وعلى المساهمات الوطنية (للحلفاء المعنيين) بالطائرات – ذات القدرة المزدوجة- في القوة النووية للحلف، والتي تبقى مهمة الردع مركزية في هذا الجهد.

– الناتو سيتخذ جميع الخطوات اللازمة لضمان المصداقية والفعالية والسلامة وأمن مهمة الردع النووي، بالالتزام بضمان مزيد من التكامل والتنسيق للقدرات والأنشطة في جميع جوانب الصراع، والتأكيد على الدور الفريد والمتميز للردع النووي، مع الاستمرار في الحفاظ على مصداقية الردع، بتعزيز الاتصالات الإستراتيجية وفعالية التمارين والتقليل من المخاطر الإستراتيجية.

–  مواصلة الاستثمار في الدفاع ضد انتشار المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والتهديدات النووية، بتعزيز السياسات والخطط والتدريبات والتمارين، التي من شأنها تعزيز قدرات الحلف في ضمان نظام الردع والدفاع القائم على دمج جميع المتطلبات.

–  الردع والدفاع الفعالين، والحد من التسلح ونزع السلاح، والحوار السياسي الهادف والمتبادل كلها ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار الاستراتيجي. فتحديد الأسلحة ونزع السلاح وعدم الانتشار عوامل تساهم بقوة في ترقية وتدعيم أهداف التحالف، كما أن جهود الحلفاء بشأن الحد من التسلح ونزع السلاح وعدم الانتشار تهدف إلى تقليل المخاطر وتعزيز الأمن والشفافية والامتثال لكل ما هو منصوص عليه في المعاهدات الدولية. ومن أجل ذلك، سيقوم الحلف بمتابعة جميع عناصر الحد من المخاطر الإستراتيجية، بتعزيز بناء الثقة والقدرة على التنبؤ من خلال الحوار، وزيادة فهم وإنشاء أدوات فعالة لإدارة الأزمات والوقاية منها. وهذه الجهود ستراعي البيئة الأمنية السائدة، وأمن جميع الحلفاء، واستكمال موقف الردع والدفاع للحلف، وجعل الحلف كمنصة للمناقشات المُعمّقة، والمشاورات الوثيقة حول جهود الحد من التسلح.

– إن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هي الحصن الأساسي ضد انتشار الأسلحة النووية، ولهذا فالحلف ملتزم بقوة بتنفيذها بالكامل بما في ذلك المادة السادسة. فالناتو يهدف إلى خلق بيئة أمنية عالمية بدون أسلحة نووية بما يتفق مع الأهداف المنصوص عليها في المعاهدة.

–  مكافحة الإرهاب تعد أمرا أساسيا للدفاع الجماعي للحلف، كونها تلعب دورا في الاستعداد القتالي للناتو بمساهمتها في جميع المهام الأساسية. وهي جزء لا يتجزأ من نهج الحلف للردع والدفاع. فتهديدات المنظمات الإرهابية لأمن السكان، ولقوات وأراضي دول الحلف، يتطلب مواصلة الرد على التهديدات والتحديات التي تشكلها هذه الجماعات، وهذا من خلال الردع والدفاع، باتخاذ مجموعة من تدابير المنع والحماية والرفض، إضافة إلى تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي (بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) لمعالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب.

ب – منع الأزمات وإدارتها:

– المساهمة في الاستقرار وإدارة النزاعات معا، يعد مصلحة مشتركة بين دول الحلف. ومن أجل ذلك، يجب مواصلة العمل لمنع الأزمات والاستجابة لها، وخاصة تلك المؤثرة على أمن الحلفاء، بالاعتماد على القدرات والخبرات المكتسبة في إدارة الأزمات. ولتحقيق ذلك، يجب تفعيل الاستثمار في الاستجابة للأزمات (من خلال إنشاء مراكز مختصة بالإنذار المبكر)، والاستعداد لها وإدارتها من خلال التدريبات المنتظمة، سواء عن طريق المحاكاة أو إجراء مناورات. إلى جانب الاستفادة من القدرة على التنسيق وتنفيذ ودعم الشركات متعددة الجنسيات لعمليات الاستجابة للأزمات.

– كفالة وتوفير الموارد والقدرات والتدريب والقيادة والسيطرة، وترتيبات نشر ودعم إدارة الأزمات العسكرية والمدنية، وعمليات السلام ومكافحة الإرهاب، بناء على الدروس المستفادة منذ نهاية الحرب الباردة، من خلال التدخلات التي قام بها الحلف بداية من يوغسلافيا في التسعينيات، مرورا بالحرب على “الإرهاب” في أفغانستان على مدار عشرين سنة (بداية من أكتوبر )2001، مع مواصلة تحسين الاستعداد العسكري والمدني، وزيادة القدرات والتخطيط والتنسيق المدني والعسكري، إضافة إلى العمل على تطوير قدرة الحلف على دعم إدارة الأزمات المدنية وعمليات الإغاثة من أجل الاستجابة والرد على أي طارئ في وقت قصير، والاستعداد لتأثيرات تغير المناخ، وانعدام الأمن الغذائي، وحالات الطوارئ الصحية (ظروف الأزمة الصحية المتعلقة بكوفيد 19، وارتفاع تكاليف المعيشة جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي ساهمت بشكل كبير في ظهور فوارق اجتماعية داخل الدول)، التي تؤثر على أمن الحلفاء.

– على الشركاء وتحت قيادة الناتو تقديم مساهمة مهمة في إدارة الأزمات. ولهذا يستمر الحلف في ضمان المشاركة السياسية المستدامة وقابلية التشغيل البيني العسكري مع الشركاء الذين يُعبّرون عن اهتمامهم بالمساهمة في مهامه وعملياته.

– مضاعفة الجهود لتوقع ومنع الأزمات والصراعات، عن طريق الوقاية، والتي تعد طريقة مستدامة للمساهمة في الاستقرار وأمن الحلفاء، بتعزيز ودعم الشركاء، بما في ذلك المساعدة في بناء قدراتهم على مكافحة الإرهاب ومعالجة التحديات الأمنية المشتركة، مع العمل على زيادة حجم ونطاق الأمن، والمساعدة في بناء القدرات للشركاء الضعفاء في الجوار، من أجل تقوية استعدادهم ومرونتهم وتعزيز قدراتهم لمواجهة أي تدخل، ومنع زعزعة الاستقرار، ومكافحة العدوان. وهنا يمكن الإشارة إلى المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا من أجل مواجهة الغزو الروسي.

– حماية المدنيين وتخفيف الضرر اللاحق بهم، والذي يعد المحور المنتهج لمنع الأزمات وإدارتها، بهدف تحقيق الأمن البشري. والعمل مع الفاعلين الدوليين لمعالجة الظروف واسعة النطاق المؤججة للأزمات وعدم الاستقرار، والمساهمة في الاستقرار وإعادة الإعمار، إضافة إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الإقليمية الأخرى، مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والاتحاد الأفريقي، وذلك من أجل محاربة الجماعات “الإرهابية”، وجماعات الجريمة المنظمة في الساحل الإفريقي.

ج – الأمن التعاوني:

– التوسع “الناجح” و”التاريخي” للحلف شرقا ساهم في تعزيز التحالف، كونه ضمن أمن الملايين من المواطنين الأوروبيين، وساهم في السلام والاستقرار في المنطقة الأورو-أطلسية. ومن أجل ذلك تم التأكيد على سياسة الباب المفتوح لجميع الديمقراطيات الأوروبية بما يتوافق مع المادة 10 من ميثاق الحلف، والتي تعبر عن القيم الأساسية والمصالح الإستراتيجية الرامية إلى السلام والاستقرار الأورو-أطلسي.

– أمن البلدان الطامحة لأن تصبح عضو في الحلف متشابك مع أمن دول الحلف، وبالتالي فالحلف يؤيد بقوة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها، من خلال تعزيز الحوار السياسي والتعاون مع أولئك الذين يهدفون للانضمام إلى الحلف، والمساعدة في تعزيز مرونتها ضد أي تدخل أو اعتداء، وذلك ببناء قدراتها، وبالدعم العملي للنهوض بتطلعاتها الأورو-أطلسية (في إشارة إلى رغبة كل من فنلندا والسويد في الانضمام إلى الحلف بسبب الخوف من أي غزو روسي)، مع مواصلة تطوير الشراكة مع البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا لتعزيز المصلحة المشتركة، وإرساء السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، والتأكيد على القرار المتخذ في قمة بوخارست 2008، وعلى جميع القرارات اللاحقة فيما يتعلق بجورجيا وأوكرانيا. وهي القمة التي تم فيها دعوة أوكرانيا للانضمام للحلف.

– الحوار السياسي والتعاون العملي مع الشركاء على أساس الاحترام المتبادل والاستفادة، والمساهمة في الاستقرار خارج حدود الحلف، وتعزيز الأمن ودعم المهام الأساسية للناتو. وهي شراكات ضرورية من أجل حماية المصالح المشتركة، وذلك من خلال المرونة ودعم  قواعد النظام الدولي القائم.

– يعد الاتحاد الأوروبي شريكا فريدا وأساسيا لمنظمة حلف شمال الأطلسي، لاشتراكهما معا في نفس القيم. فهما يلعبان دورا متكاملا ومتماسكا، كما يعزز كل منهما الآخر في دعم السلم والأمن الدوليين، على أساس تعاونهما طويل الأمد. لذا يجب تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الناتو والاتحاد الأوروبي، وتقوية المشاورات السياسية وزيادة التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل التحرك العسكري، والمرونة، وتأثير التغير المناخي في الأمن، والتكنولوجيات الناشئة والمدمرة، والأمن البشري، و أجندة المرأة والسلام والأمن، وكذلك مكافحة التهديدات الإلكترونية والهجينة، ومعالجة التحديات المنهجية المفروضة من الصين على الأمن الأورو-أطلسي. وهنا يبرز الدور الذي يجب أن يلعبه الحلف من أجل إضعاف الصين ومنعها من التصرف وتنفيذ مبادرة الحزام والطريق.

فمن أجل تطوير الشراكة الإستراتيجية بين الناتو والاتحاد الأوروبي، هناك ضرورة للمشاركة الكاملة  للحلفاء من خارج الاتحاد الأوروبي في جهود دفاع الاتحاد الأوروبي. فالناتو يعترف بقيمة دفاع أوروبي أقوى وأكثر قدرة، بما يسمح له بان يساهم بشكل إيجابي في الأمن عبر الأطلسي وفي العالم، وهو مكمل وقابل للتشغيل المتبادل مع الناتو. فمبادرات زيادة الإنفاق الدفاعي والتطوير المتماسك والمتبادل وتعزيز القدرات، مع تجنب الازدواجية غير الضرورية، هي مفتاح مشترك للجهود المبذولة لجعل المنطقة الأورو-أطلسية أكثر أمانا (في إشارة إلى القرار الألماني بتخصيص ما قيمته 100 مليار أورو كمخصصات لتطوير بنيته الدفاعية).

– تعزيز العلاقات مع الشركاء الذين يشاركون الحلف قيّمه ومصالحه في دعم قواعد النظام الدولي القائم، عن طريق الحوار والتعاون من أجل الدفاع عن هذا النظام، والتمسك بالقيّم، وحماية الأنظمة، والمعايير والتقنيات المعتمدة، وخاصة من جانب الشركاء الآسيويين (اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان وأستراليا)، وهذا بزيادة ودعم عملية وصولهم إلى دول الجوار الأوسع، وفي جميع أنحاء العالم، وإبقاء منطقتهم منفتحة على المشاركة في أي منظمة بما يعزز الأمن المتبادل. وهو نهج مرن، تحركه الاهتمامات المشتركة من أجل معالجة التهديدات والتحديات، والقدرة على التكيف مع الحقائق الجيوسياسية المتغيرة.

– منطقة غرب البلقان والبحر الأسود تكتسي أهمية إستراتيجية بالنسبة لدول التحالف، وهذا مواصلة لدعم التطلعات الأورو-أطلسية للمهتمين بهذه المناطق. ومن أجل ذلك سيتم بذل الجهود لتعزيز قدراتها على معالجة التهديدات والتحديات التي تواجهها، والصمود في وجه أي تدخل أو إكراه من طرف ثالث. إضافة إلى العمل مع الشركاء لمعالجة التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للحلف، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، الهند والمحيط الهادئ. وهو أمر مهم للحلف، نظرا للتطورات  الحاصلة في تلك المناطق،  والتي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الأمن الأورو-أطلسي. هذا إلى جانب تعزيز الحوار والتعاون القائم مع الشركاء في منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ لمواجهة التحديات عبر الإقليمية والاهتمامات الأمنية المشتركة.

– ​​الرغبة في أن يصبح الحلف منظمة دولية رائدة عندما يتعلق الأمر بفهم تأثير تغير المناخ على الأمن وفي التكيف معه. ومن أجل ذلك،  سيقود التحالف جهود تقييم تأثير تغير المناخ على الدفاع والأمن والتصدي للتحديات المطروحة، والمساهمة في مكافحة تغير المناخ بتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين كفاءة الطاقة، والاستثمار في الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، والاستفادة من التقنيات الخضراء، مع ضمان موقف عسكري دفاعي رادع ذو مصداقية.

4 -ضمان استمرار نجاح التحالف:

– يعد الاستثمار في منظمة حلف شمال الأطلسي أفضل طريقة لضمان الرابطة الدائمة بين أوروبا وحلفاء أمريكا الشمالية، من أجل المساهمة في السلام والاستقرار العالميين. لذا يرى الحلف أنه يجب مواصلة تعزيز الوحدة السياسية والتضامن وتوسيع وتعميق نطاق المشاورات لمعالجة جميع الأمور التي تمس الأمن المشترك، بالالتزام بالمشاورات عندما يكون أمن واستقرار حليف ما، أو القيّم والمبادئ الأساسية لأحد دول الحلف في خطر.

– التقاسم العادل للمسؤوليات والمخاطر فيما يتعلق بالدفاع والأمن، بتوفير جميع الموارد والبنى التحتية والقدرات والقوى اللازمة لتقديمها بالكامل في إنجاز المهام الأساسية، وفي تنفيذ القرارات المتخذة. فبموجب تعهد الاستثمار الدفاعي يتم ضمان الالتزامات الملقاة على عاتق دول الحلف. لهذا، وبناء على التقدم المنجز، فإن زيادة نفقات الدفاع الوطني، والتمويل المشترك للناتوسيكون متناسب مع تحديات النظام الأمني.

–  منظمة حلف شمال الأطلسي عنصر لا غنى عنه للأمن الأورو-أطلسي، فهي الضامن للسلام والحرية والازدهار، وبالتالي يرى الحلف أنه يجب مواصلة الوقوف معا للدفاع عن أمن وقيم وطريقة الحياة الديمقراطية للحلفاء.

الخلاصة

من كل ما تقدم يتضح أن وثيقة المفهوم الإستراتيجي الجديد المصادق عليها خلال قمة مدريد سنة 2022، والذي تم بلورته في ظل بيئة أمنية متغيرة وصعبة، تتميز بتجدد التنافس الاستراتيجي والاستبداد وعدم الاستقرار على نطاق واسع، إنما جاءت من أجل التأكيد على المهام الأساسية للحلف. وقد تمت الموافقة على تعزيز الردع والدفاع بالشكل الذي يضمن أمن دول الحلف، كما وسّعت من مجال  تدخله ليشمل جميع المجالات، بما فيها تلك المتعلقة بالتغيير المناخي والتطورات التكنولوجية السريعة. حيث لم يعد تدخله مقتصرا فقط على الجانب العسكري الأمني لدوله، وإنما أيضا النطاق الجغرافي الذي تم ربطه بالقيم والمصالح المشتركة مابين دول الحلف وشركائه، وخاصة في منطقة آسيا والباسيفيك. كما تم التركيز فيه على ضرورة إشراك شركاء الحلف في مهام الدفاع، كونهم يشتركون في نفس القيّم، ويتقاسمون معه نفس المصالح.

فروسيا، وبعدما كانت هناك محاولة لجذبها إلى النادي الأوروبي عن طريق بناء شراكة طویلة الأمد معها، والتي كانت بدايتها بدعوة الرئيس الروسي آنذاك ديميتري ميدفيدف  في قمة لشبونة 2010، ونتيجة لقيامها بضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014، ثم غزوها لأوكرانيا في فيفري 2022، أصبح يُنظر إليها على أنها تشكل  أكبر تهديد مباشر لأمن الحلفاء ولاستقرار دولهم. وهو ما يعكس تدهور علاقاتها مع  الحلف.

كما أنه، وعلى عكس المفهوم الإستراتيجي السابق لسنة 2010 ، أين كان یُنظر إلی الصين على أنها شریك تجاري ودي وقاعدة تصنیعیة جادة، فإنه ولأول مرة، أضحى يُنظر إليها على أنها تحدي لمصالح وأمن وقیّم الحلف. وهذا راجع للطموحات الكبيرة الواضحة والمعلن عنها من قِبَلِها، من خلال سعيها  للسیطرة على القطاعات التكنولوجیة والصناعیة الرئیسیة، وعلى البنیة التحتیة الحیویة، وعلى المواد الإستراتيجية وسلاسل التورید، موظفة في ذلك نفوذها الاقتصادي لخلق كیانات إستراتيجية تابعة(شركة هواوي مثلا)، إضافة إلى استخدامها لعملیات هجینة وإلكترونیة، وتبنيها خطاب المواجهة، ونشر لمعلومات مضللة حول دول الحلف من أجل الإضرار بأمنهم.

النص الأصلي باللغة الإنجليزية متاح للتحميل على الموقع الإلكتروني لحلف الشمال الأطلسي،

Nato 2022 startegic concept ;

https://www.nato.int/nato_static_fl2014/assets/pdf/2022/6/pdf/290622-strategic-concept.pdf

kmch adm

تعليق