مؤسسة آفاق للدراسات والتدريب

تلاعب الصينيين بالبورصة الأمريكية وأخذ 14 مليار دولار من جيوب الأمريكيين؟

رياض حاوي

كان قد نبهني الأخ العزيز الدكتور سعيد عبيكشي إلى شريط ممتع وكثيف المعلومات ويقدم تصور عن التحولات الجارية في عالم الاقتصاد اليوم.. تحولات أسرع من قدرة رجال القانون والمشرعين على ملاحقتها ومراقبتها وتأطيرها قانونيا.. وخاصة إذا كانت هناك ملايين الدولارات تنتقل من يد إلى يد فيصبح الإغراء فوق القانون.
الشريط بعنوان China Hustle وهو شريط جديد حيث بدأ بثه في 30 مارس الماضي فقط.. أهمية الشريط أنها تقدم تصورا معكوسا عن النمط السائد، حيث إن الأمريكي هو دائما صاحب اليد العليا والقادر على عمل ما يريد ويؤثر على الأسواق كيف يشاء.. في هذا الشريط سنشاهد الصورة الأخرى حيث يستغل الصينيون ثغرات وضعف المنظومة المالية والقانونية الأمريكية لتحقيق أرباحا خيالية.. وهذا باستعمال قنوات أمريكية تغض الطرف، طالما أن الأمور لا تمس بالقانون ولا تصنف كجرائم، وفقا لقاعدة لا تجريم إلا بقانون.. وهنا في هذه الحالات القانون متخلف وغير قادر على تصور نوع من السلوكان التي ظاهرها أنها قانونية وباطنها تحركها نوازع إجرامية.
كلما نتناول الاقتصاد والا ويطرح بعض الشباب إشكالية الماسونية وكأن الدول والبشر لعبة في يد هؤلاء.. دون إنكار العمل التضامني والتنسيق الكبير بين الدوائر الماسونية والصهيونية.. ولكن بشيء من الاجتهاد والعمل الذكي يمكن تحقيق مكان تحت الشمس.
القصة تبدأ بمثل صيني.. لا تصطاد في المياه النقية.. الاصطياد الحقيقي يتم في المياه الموحلة (muddy water).. بمعنى عندما تكون المياه نقية وصافية تستطيع أن ترى السمك وأي كان يستطيع أن يصطاد فليس هناك فرصة حقيقية ولكن عندما تكون المياه موحلة ومرملة لا ترى ما بداخلها هنا تأتي عبقرية من يعرف كيف يصطاد حقيقة.
بعد الأزمة المالية لسنة 2008 وانهيار الأسواق المالية كانت السوق الصينية الأسرع في استعادة عافيتها وصعودها الصاروخي سنويا، فهي تعتمد على منتجات حقيقية وفي نفس الوقت احتياطات مالية ضخمة.. فبدأت الأوساط الأمريكية تبحث عن كيفية ركوب الموجة الصينية بحثا عن أرباح.
الشريط يظهر كيف قام أحد البنوك الاستثمارية من الدرجة الثالثة بإغراء شركات صينية ناشطة في المواد الأولية وفي غيرها من المنتجات مثل الورق والسكر والأسمدة للتداول في البورصات الأمريكية. وبما أن ذلك غير مسموح به بشكل مباشر فقد قام هذا البنك بإبداع منتج اقتصادي جديد وهو الاندماج العكسي (reversal merger) مع شركات أمريكية لا تزال تتداول داخل البورصات الأمريكية ولكن لا قيمة لها فعليا. وعبر هذه التقنية الشركة الصينية أصبحت شركة أمريكية، بعد اندماجها مع شركة أمريكية، والشركة الأمريكية موجودة في البورصة وان كانت ميتة. وحينئذ يمكن التداول في البورصة الأمريكية.
وهنا تبدأ الموسيقى العالمية في العزف.. المستثمر الأمريكي ستستثمر في شركة صينية أمريكية عنده في أمريكا دون الذهاب إلى الصين وبالتالي سيتفيد من الصعود الصاروخي للصين ويحقق الأرباح. هذا هو مختصر الحبكة المالية.
لكن مجموعة من المستثمرين لاحظوا أن هناك شيء غير طبيعي.. هذه الشركات تدعي أرباحا غير موجودة، وتدعي أن لها رأس مال ضخم لكن الواقع يقول خلاف التقارير المالية التي تبدو مضخمة. المشكلة أن هذه التقارير مصادق عليها من شركات الرقابة الكبيرة مثل دلويت وكي بي أم جي وبرايس ووتر هاوس.
قام هؤلاء المستثمرون بزيارة موقع إحدى الشركات في التكساس فوجدوا الطريق غير مناسب لتحمل كمية ما يدعونه من إنتاج ولما زاروا موقع الشركة وجدوه في حالة يرثى لها وليس لديهم العدد الكافي من العمال كما يدعون. والشريط يظهر صورا ولقطات فيديو تم تصوريها بطريقة سرية.. فتأكدوا أن هناك شيء غير مستقيم.
قاموا بزيارة الشركة الأم في الصين فوجدوه لا يقل تفاهة عن موقع الشركة في أمريكا.. فصوروا الموقع حينئذ تأكدوا أن هناك شيء غلط في القصة كلها.
تتبعوا عدة شركات فوجدوها كلها بنفس الشكل، أرباح في الورق وليس لها مصداقية في السوق والضحية هو المستثمر الأمريكي الذي يشتري أسهما ممهورة بتوقيع أكبر شركات الرقابة الأمريكية ويروج لها من طرف بيوت الأسهم الكبرى. وكانت أسهم الشركات الصينية الأمريكية في صعود وبلغ بعضها أرقاما هائلة والكل يتزاحم لركوب موجة الصعود الصيني. وتم إحصاء حوالي 300 شركة بهذا الشكل موجودة في البورصات الأمريكية.
حاولوا فهم من أين أتت هذه التقارير المالية المضخمة رغم أنها ممهورة بختم كبار الشركات العالمية للرقابة المالية..
وكان الرد صارما هذه التقارير مصادق عليها من طرف فروع هذه الشركات في الصين والمسؤولية تقع على هذه الفروع وليس على الشركة الأم في أمريكا. وكما ذكر في التقرير فرع ديلوين أو كي بي ام جي هو شركة مستقلة تستفيد من الاسم الأمريكي فهو بمثابة بيع للعلامة نظير قسط من المال وليس فعلا باعتماد معايير الرقابة كما تفرضها القوانين الأمريكية. وهذا في حد ذاته مشكلة كبيرة..
حاولوا التحرك باتجاه الكونغرس الأمريكي لتنبيهمم لخطورة هذه الشركات التي تغزوان سوق الأسهم الأمريكي فلم يجدوا آذانا صاغية.. بل بدأت تلاحقهم التهديدات وسيتم متابعتهم قضائيا.. البنوك الاستثمارية الصغيرة التي كانت تصدر تقارير الشراء كل ما تهمها هو حصتها وعمولتها من العمليات التجارية ولم تكن معنية كثيرا بالتدقيق المالي وتعتبره ليس مهمتها..
بعد أن يئس هذا الفريق، قرروا أن يستفيدوا من المياه الضحلة المترملة ويضربوا ضربتهم.. فأسسوا شركة (المياه الضحلة).. وراهنوا على أن هذه الشركات الصينية الأمريكية سرعان ما تنهار عندما تكتشف الحقيقة وكانت خطتهم هي المراهنة على انهيار الأسهم.. والاستفادة من الفارق. في إحدى اللقطات يظهر المستثمر يقول إنه حقق في يوم واحد 78% أرباحا.
لم ينس الشريط أن يظهر كثير من المواطنين الأمريكيين يتحدثون عن خسارتهم أحدهم استثمر في شركة صينية لما كان سعر السهم 9 دولارات فاشترى 26000 سهم أي قيمة 234000 ألف دولار زائد نسبة عملة سمسار البورصة.. انهارت أسهم الشركة فلم يستطع سوى استعادة مبلغا زهيدا لما كانت الأسهم بسعر 12 سنتا فاستعاد 3120 دولارا ناقص عمولة سمسار البورصة. هذا دون الحديث عن خسارة الصناديق المالية ومنها صناديق التقاعد التي استثمرت بكثافة في هذه الشركات التي في حقيقتها لا تسوى رأس بصلة. وهذا يشير لأزمة الخبراء الذين يتلاعبون بالكلام ويبيعون الوهم حتى لمؤسسات مالية ضخمة تدير لمايير الدولارات.. ويحيل على مشكلة هذه المؤسسات وقدرتها الفعلية على الرقابة.
التقرير يقول إن الشركات الصينية نهبت 14 مليار دولار من جيوب الأمريكيين، طبعا بتواطؤ وتسهيل وغض طرف من الفئران الأمريكية داخل المنظومة المالية والقانونية والتشريعية.
في الأخير يظهر الشريط البعض يتحدث عن عملية طرح أسهم شركة علي بابا الصينية وشراء أسهمها في السوق الأمريكي ويقول إنه مثلا شراء وراق الياناصيب والقمار.. وحذر من المخاطر التي سترافق قرارات ترامب بتخفيف قبضة القانون والمنظم المالي على الأسواق لجلب الاستثمارات الصينية..
الشريط رائع بكل المقاييس فهو يظهر الخلل في عدة مستويات في المنظومة المالية الأمريكية وخلل في الشركات العالمية الكبرى وخلل في معايير البورصات وخلل في البنوك وخلل في المنظومة السياسية.. إلى درجة أنه أشار إلى أن كثير من المؤسسات المالية أصبحت تخصص في موازنتها المالية مبالغ لدفع الغرامات.. في حالة كشفت العدالة أو المنظم المالي الخلل.. فهم يدفعون الغرامة مقابل أرباحا هائلة يحققونها..
كنت أرسلت صورة الشريط لزميلي في العمل من الهند، وفي الصباح قال لي هذه الشركة (المياه الضحلة) تسببت في انهيار أسهم شركة أولان السنغافورية، فقد نشروا تقريرا ضرب مصداقية الشركة في الصميم فانفض من حولها المستثمرون. وشركة أولان هي واحدة من الشركات العالمية المتخصصة في المواد الاستهلاكية وتنافس
الشركة الفرنسية لويس درايفوس.
سئل دايفيد أحد أبطال الشريط عن تصوره للعلاقة مع الصين.. فرد قائلا: أتمنى أن تكون هناك علاقة أفضل مع الصين ، حيث نحترم بعضنا البعض. إذا ما سرقنا منهم ، فإن المتهم منا يذهب إلى السجن وكذلك هم إذا سرق أحد منهم يذهب للسجن. هذه هي الصداقة الحقيقية حاليا علاقتنا تقوم على التدمير المالي والاقتصادي المتبادل والمؤكد . ورد تساؤل في الشريط.. هل الرأسمالية هي مكافأة كل من يعمل جيدا!! أم هي استغلال الفرصة وتحقيق الربح على ظهر المغفل والساذج والذي لا يتقن قواعد اللعبة..
هذا رابط الشركة للمهتم بالاقتصاد يمكنه أن يقرأ تقارير جميلة ومفيدة عن شركات تافهة تقدم نفسها كشركات عالمية.

Home


مرة أخرى شكرا للدكتور سعيد عبيكشي على هذا الشريط الممتع حقا

المصدر: مدونة رياض حاوي

عماد تاج الدين

تعليق